لم تعد عبارة “الموت لأميركا” قابلة للصرف في الساحات الإقليمية. لماذا يُطلب الموت لأميركا اليوم؟ فمن يحارب التطرف “الداعشي” في حال تحقق الموت لأميركا؟ بالطبع الموت هنا لا يُقصد به المعنى المباشر للكلمة، بل غياب الدور والسيطرة والقدرة والتحكم والفاعلية.
يجري توصيف مرحلة “الأفول الأميركي” المتوقّع كمدخل الى حرية يرّكبها كل على قياسه. يهلل لتلك المرحلة القوميون العرب والسوريون والإسلاميون على مختلف تشعباتهم المذهبية، متشددون ومعتدلون. بعضهم يربطها بالقضية الفلسطينية نتيجة دعم الأميركيين للإسرائيليين وهي أسمى الأهداف. البعض الآخر يربطها بالمحاور العابرة للقارات أو بالإرتباطات الأممية أو التموضعات السياسية.
إختلاف في طبيعة “الأفول”: هناك من يعتبره نهاية السيطرة الأميركية في العالم والإنكفاء الى حدود الولايات المتحدة، وآخرون يرونه التراجع فقط الى حدود تقاسم النفوذ الدولي مع قوى عظمى صاعدة كروسيا والصين.
فماذا يعني “الأفول” الأميركي وما هي آثاره؟ هل روسيا قادرة على خوض المواجهات مباشرة ضد الإرهاب أم يقتصر دورها على التسليح والدعم؟ هل تنوي الصين الدخول في قلب الصراع؟
فلنفترض ان “الأفول الأميركي” تحقق في معناه الأبعد اي بالتراجع والإنكفاء عن الشرق. ماذا كان سيحصل؟
الإجابة ببساطة يمكن إيجادها في كلام المنظّرين “الدواعش”. يعتبرون أنّ تنظيمهم سيملأ الفراغ الناتج عن “الأفول الأميركي”. إنها الفرصة المؤاتية لهم للتمدد والتحكّم بكل الساحات الإسلامية. إستعملوا الشعارات الإسلامية لدغدغة المشاعر عند الأكثرية. أدرك الغرب حجم المخاطر الناتجة عن هذا التمدد والتخطيط للتوسع.
إسلاميون قالوا “اننا سنعيد أمجاد الأندلس”. لكن وفق أي رؤية وعلى أي أساس؟ بالطبع وفق عقيدة “داعش” بالقتل والتهجير والتنكيل. هذا ما بدا من العراق الى سوريا الى شمال سيناء وليبيا.
من يستطيع ان يوقف التمدد “الداعشي”؟
لو كانت أيّ قوة من غير الأميركيين قادرة لفعلت. لكانت حينها ايران عارضت ضربات “التحالف” في العراق او رفضت عودة الخبراء الأميركيين الى المنطقة. لو استطاعت دول الخليج صد التوسع “الداعشي” ما كانت استعانت بالغرب وأنفقت مليارات الدولارات لتمويل “التحالف”. اين الطائرات البريطانية والفرنسية التي تشارك بضرب “داعش”؟ ألم تشارك مع طائرات عربية في بداية الحملة؟ لماذا بقي الأميركيون وحدهم؟
لو لم تكن الضربات الأميركية فاعلة وأثمرت توقيف “داعش” في مساحات محددة في العراق ومنعت التنظيم من الوصول الى أربيل او عين العرب ما كان الإيرانيون يوافقون على وجود طائرات أميركية في أجواء العراق وسوريا. هناك من يشكك بفعالية الضربات الجوية أو حقيقة استهداف “داعش”. اسألوا العراقيين عن إجبار تلك الضربات وقف تمدد الارهاب نحو بغداد، ليأتي بعدها الجيش العراقي بقتال الإرهابيين على الارض بالتعاون مع القوى المحلية. المسألة مختلفة بين العراق وسوريا.
اذا كانت الولايات المتحدة تحارب التطرف الداعشي، وإرهاب هذا التنظيم يستهدف الاعتدال الاسلامي والأقليات. المشهد واضح من قتل واقتلاع الايزيديين الى تهجير المسيحيين والتخطيط للإطاحة بكل الوجود الاسلامي الذي لا يتوافق مع نهج “داعش”.
ألا يعني ذلك أنّ الأميركيين يحمون الاعتدال والأقليات؟ لو وُجدت قوة اخرى قادرة على القيام بدورهم لتم إختيار البديل حكماً.
هذا لا يبرر انحياز الأميركيين لمصالحهم وسرقة ثروات المنطقة من النفط عدا عن دعم اسرائيل بإرهابها ونسف الحقوق الفلسطينية. ولا يبرر أيضاً التوسع الغربي على حساب حريات الشعوب وحقوقهم المسلوبة تاريخيا.
أما والصين لا زالت عاجزة عن الخوض في غمار الحروب وروسيا تعد للألف قبل الإقدام على اي معركة عسكرية. اما وإيران ليست قوة عالمية عظمى، والأقليات مع الاعتدال في الشرق لا يملكون القدرات لمواجهة المد المتطرف الإرهابي. أما و “داعش” تخطط لإجتياح الساحات وفق كل المقاييس. لا منطق برفض التوجه الأميركي للقتال ضد التطرف في الشرق.
أصبح الأميركيون حاجة. لا مصلحة للقوميين ولا المعتدلين ولا الأقليات برفض الدور الأميركي، لان وجودهم مرتبط بوجوده. تلك حقيقة تثبتها تطورات الميدان وتعاطي الإيرانيين والسوريين والعراقيين. فليقم الأميركي بدوره في قتال “داعش”، ولنحارب الغزاة الغربيين لاحقاً بعد التخلص من قلق الارهاب إن تكررت الأطماع.
خاص النشرة