كتب للديمقراطي اللبناني المحامي رمزي حلاوي*
كل ست سنوات ، يكون اللبنانيون على موعد مع إستحقاق دستوري ،وهو إنتخاب فخامة رئيس جمهورية للبلاد ،تعاقب رؤساء كثر على كرسي الرئاسة ،وكان لكل منهم إنجازاته وإخفاقاته ،فتعايش الشعب اللبناني منذ إستقلال لبنان لحينه مع فكرة رئيس يصنع في الخارج لا في لبنان مع بعض الإستثناءات المتقطعة ،وبالتالي ليسقط هذا الإستحقاق من حساباتهم الوطنية لطالما أقصي دورهم دستورياً من خلال إعطاء وكالة إنتخاب الرئيس إلى نواب الامة المنتخبون من الشعب بحسب ما تنص عليه مواد الدستور اللبناني فيما هؤلاء النواب بعضهم ينتخب بمحادل بتوصية من الخارج والبعض الأخر مذهبياً ورأسمالياً، فيما صوت الشعب في هذا الوطن يمثلهم ما تبقى من نواب مستقلون عن المصالح الداخلية والخارجية والطائفية .وبالتالي فخامة الرئيس المنتظر دائما يأتي معلبا من الخارج ويبقى لنواب الأمة أن يرفعوا الغطاء عن العلبة ليعلن للشعب اللبناني إسم فخامة الرئيس ال
جديد ،وهذا ما نسف الأسس الديمقراطية التي بني عليها هذا الوطن ،والأخطر من كل ذلك تراجع هذا المشهد الديمقراطي المقنع بوصاية خارجية بعد إغتيال الشهيد رفيق الحريري ،والذي يطرح علامة الإستفهام الكبرى ،والبحث عن الحلقة المفقودة من جراء هذا الإنفجار الكبير الذي زعزع الكيان اللبناني وخلط الأوراق مجدداً بعد إتفاق هدنة بوصاية خارجية شهدها إتفاق الطائف دام خمسة عشر عاماً ،وما يدعونا إلى القلق على مصير هذا الوطن هو تنامي نهج الديمقراطية في دول عربية تشهد حرباً وصراعا ونزاعا إقليميا ودوليا وبالتالي داخليا ،فتارةً نسمع إنتخابات نيابية هنا وإنتخابات رئاسية هناك على وقع قرقعة طبول الإرهاب في كل أرجاء تلك الدول ،وفي المقلب الأخر نرى تراجعا ً مخيفاً في المشهد الإنتخابي اللبناني ،تجديد النواب لأنفسهم وفراغ رئاسي قد نقبل عليه في حين لن يتم الإتفاق على الرئيس المقبل ضمن صفقة لعبة الأمم، وبالتالي كي لا ننسى هنا لبنان …….فخامة الرئيس المنتظر.
في الوقت الذي من المفترض أن يقبل عليه نواب الأمة في الخامس والعشرين من هذا الشهر كمهلة دستورية أخيرة على الذهاب إلى قبة البرلمان بالوكالة المقنعة الممنوحة لهم من الشعب لإنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية بعد إنتهاء ولاية الرئيس الحالي فخامة الرئيس ميشال سليمان بعد جلسات متتالية كان قد دعى إليها رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري أقبلوا على مسرحيات هزلية كشفت عن الفجوة الوطنية التي إنزلق نحوها قادة هذا الوطن ،بإصرارهم الدائم على أجنبة الملف الرئاسي وتفويت الفرصة الوطنية عبر الإتفاق على إنتخاب رئيسا للجمهورية لكل الجمهورية ،عابر للطوائف والمذاهب وحقائب المال والوصيات والإرتهانات .فاصبحنا أمام مسلسلات متتالية عند كل جلسة ،تارة تتجسد بترشيح حكيما وتارةً اخرى بترشيح ذاك الذي إسمه الورقة البيضاء ،وما بين هذا وذاك مشهد وسطي يتوسطهما بمرشح وسطي حلو ,وقبل كل جلسة يعتلي كل فريق المنابر الخاصة ليعلن عن تصوره ورؤيته لشخصية الرئيس المقبل محاولين إقناعنا بمرشحهم ،وفي الوهلة الأولى تعجب بهذا المشهد الديمقراطي على تناوب مرشحين محسوبين على هذا أو ذاك وأخرين يطلقون على أنفسهم أنهم وسطين وأنهم الحل الوحيد للوفاق والتوافق وسرعان ما يسرق منك هذا الحلم الديمقراطي اللبناني لفراغه من المضمون ! وما بين الوفاق والتوافق رواية أخرى ،وبالتالي كي لا ننسى هنا لبنان ……. فخامة الرئيس المنتظر .
برزت في الأونة الأخيرة مفاهيم وطنية على منابر قوى الأمر الواقع الحاكمة لهذا الوطن ،فغدونا نسمع بلغة الوفاق والتوافق ،فهذا الذي يصنف نفسه أنه وفاقيا ً وذاك الذي يصنف نفسه توافقيا ،وما عليك أيها المواطن إلا أن تذهب وتبحث في المعجم الفينيقي عن التفسير الحقيقي لتلك الممصطلحات الطارئة، فهناك من ينتظر أوراق 128 فيصنفها على أنها وفاقية بمجرد نيله لها ،وذاك الذي يحاول إقناعنا أنه بمجرد حصوله على الإجماع الدولي والإقليمي يعني أنه حصل توافقاً عليه،وما بين الوفاق والتوافق رجالاً رجال عاهدو الله وصدقوا وما بدلو تبديلا ،هم المناضلون في سبيل الوطن وشعبه ،هم المقاومون الحقيقيون الذين ناصرو القضايا الوطنية وناضلوا في سبيلها ،هم الذين تعايشوا مع المقاومون في تسطيرهم للملاحم البطولية على مساحات هذا الوطن ،هم الشركاء في تحرير الوطن من إحتلال العدو الإسرائيلي ،هم الذين دفعو الفاتورة الوطنية في صلابتهم ومناعتهم وممانعتهم ،وبالتالي هم وحدهم اللذين يستحقون لقب الوفاق والتوافق الوطني ،وبالتالي كي لا ننسى هنا لبنان ……..فخامة الرئيس المنتظر .
كما برز على المشهد اللبناني مفهوم الرئيس القوي ،ولكن مع مقاربته مذهبيا وطائفياً لا وطنيا ً،فالرئيس القوي بمفهومهم انه يجب أن يكون الرئيس الأقوى على الساحة المسيحية ،وبالتالي عليه أن يكون رئيساً للجمهورية المسيحية لينال بعدها لقب رئيس الجمهورية اللبنانية ،فينسحب المشهد على المواقع الرئاسية الأخرى ،فنصبح أمام مشهد دولة رئيس مجلس النواب الشيعي ودولة رئيس مجلس الوزراء السنة ونائب رئيس مجلس الوزراء الأورثوذكسي وغدا رئيس مجلس الشيوخ الدرزي ونائب رئيس المجلس الأرمني وعذرا من سائر الطوائف والأقليات منها ،فعلاً أنه لمشهد خطير تنحرف نحوه البلاد ،فهل أصبح الرئيس الذي يحوز الثقة الوطنية الجامعة والحاضنة له ضعيف !وهل أصبح زعيم الطائفة الذي يحوز على أعلى نسبة تمثيل فيها الرئيس المنتظر القوي لرئاسة الجمهورية اللبنانية ……وكي لا ننسى هنا لبنان ……فخامة الرئيس المنتظر .
أما الأكيد المؤكد أن هذا الإستحقاق خرج عن سيطرة الشعب اللبناني والممثلون عليهم في المجلس النيابي اللبناني منذ زمن ،وبالتالي علينا أن نسطر مذكرة بحث وتحري عن إستحقاقنا الرئاسي وغدا عن كل إستحقاقاتنا إن أكملنا المسير على هذا المنوال ،فالمخجل أمام الوطن أن ما يسمى قادته لم يبقى منهم إلا القليل على أرض الوطن قبل موعد الخامس والعشرين من هذا الشهر الحالي فنرى طائرات تصول وتجول دول القرار لإستنباط إسم الرئيس المنتظر ،أو بالأحرى تسويق إسم هذا الشخص أو ذاك ،أو إحراق هذا أو ذاك ،وتقديم مزايدات ومزيد من التنازلات من هنا وهناك ،متناسين أن هناك وطن وشعب يعيش في هذا الوطن هم أصحاب الإستحقاق ،فنرى دولة السلام يحج نحو بلاد الحج نحو التمديد للرئيس الحالي ،وإستطراداً يعبر نحو إتمام الإستحقاق الرئاسي في موعده منعا للدخول في الفراغ ،ونبقى في بلاد الحج حيث دعوة الفيصل لنظيره الإيراني لزيارة المملكة والتي قد تكون أولى ثمارها رئيسا للجمهورية الللبناني في الربع الساعة الأخيرة وإلا التمديد والتجديد لفكرة وصول الرئيس القوي لكل طائفة كتسوية شاملة بعد إنتهاء فترة التمديد ،ناهيك عن موقف بلاد العم سام البريء الذي أعلنت فيه الولايات أنها لن تقف بوجه التمديد وهنا التساؤل الكبير؟ وليس لديها مانع بين الحاكم والقائد ،أما الأم الحنون فتحاول في اللحظات الأخيرة غنقاذ ولدها المدلل تاريخياً كما يقال كي لا يغرق في الفراغ !وما علينا إلا أن نشكر المجتمع الإفريقي لأنه إحترم سيادتنا لحينه ولم يتدخل في الشأن اللبناني ،فعلاً انه أمر مؤسف ومؤسف جداً أن تحوم طائرات القادة على دول العالم ولا ترسوا يوماً على شاطىء لبنان ،وكي لا ننسى هنا لبنان …..فخامة الرئيس المنتظر.
ولو عرجنا نحو دول الجوار قليلاً التي تشهد إستحقاقات إنتخابية ديمقراطية ،فنرى شعوب تلك الدول تقبل على إنجاح تلك الإستحقاقات بعزم وإرادة على وقع طبول الإرهاب المدمر الحاقد والمجرم ،متخطين القنابل والإنفجارات ،وأمام كل ضحية تنبت لديهم قوة إرادة صلبة ممانعة ،ففي بلاد النيل الشعب يختار ما بين السيسي وحمدين ،فيما الإخوان يتربصون ،وفي ليبيا التي دخلت مخاض حرب أهلية طاحنة نرى شعبها يستجيب لكل إستحقاق ،وفي العراق الذي إنتصر فيه الشعب على حمامات الدم اليومية التي تعترض إستعادة سيادتهم ،أنجزت الإنتخابات بيوم واحد على وقع الانفجارات دون ضربة كف ،وفي سوريا مؤامرة كونية منهزمة دخلت سنتها الثالثة على التوالي ،ولم يفوت السوريون أي فرصة إستحقاق ديمقراطي ،وشهدت سوريا إنتخابات نيابية ورئاسية قادمة في الشهر السادس من هذا العام وشعبها يقوم من تحت الأنقاض والركام ويقترع للسلام والحرية والديمقراطية والنظام ،فيما نحن أبسط حقوقنا الديمقراطية حرمنا منها بفعل مخطط جهنمي ادخل فيه لبنان بإغتيال دولة رئيس مجلس وزراء الوفاق اللبناني لأكثر من 10 أعوام الشهيد رفيق الحريري ،لنترك لكم أنتم تحكمون لماذا جدد الممثلون عليكم وكالتهم ولماذا لا يحق لنا أن نقول هنا لبنان …..فخامة الرئيس المنتظر .
سنترك لكم لبنانكم ،وسنقول لكم من هو رئيس لبناننا ،رئيس لبنان القوي الذي نحلم فيه ونصبوا إليه ،هو رئيس لكل الطبقات ولعامة الشعب ،للفقير كما الغني ،حامي الطاقات والأدمغة ،سندباد الوطن يصول ويجول ويعيد معه كل أبناء الإغتراب ،رئيس يضمن السلام والأمن الداخلي والعيش الواحد ،رئيس يحمي ثقافتنا وحضارتنا التي صدرناها إلى كل دول العالم ،رئيس يضمن شيخوخة كبارنا الذين هم عزتنا وكرامتنا ،رئيس ضد البطالة ،ضد الإرتهان للخارج ،مقاوم مقاوم ضد عدو واحد للبنان وهو العدو الصهيوني الغاصب ،رئيس يصون إنجازات دماء الشهداء الذين روت دمائهم في الجنوب أرض الوطن عزاً ونصرا ً وشرفاً ،رئيسا ملكا ً على وحدة الثالوث المقدس الجيش والشعب والمقاومة ،رئيس للسيادة والحرية والإستقلال ،رئيساً على الأرض ومع الشعب وليس رئيساً على القصر ،رئيساً يصون وطنه وشعبه كالأب الصالح ،والأهم رئيساً لكل لبنان . حتى إشعار آخر نحن جيل لبنان القادم الحر السيد المستقل ،قادمون وكي لا ننسى سنبقى هنا في لبنان ……..وننتظر يوماً ما فخامة رئيسنا المنتظر ……..
*المحامي رمزي حلاوي : أمين سر المجلس السياسي في الحزب الديمقراطي اللبناني