Breaking News

الحراك لن يتحوّل الى ثورة شعبية

لا تعليق
آخر الأخبارالخبر الرئيسي
5
0

الحراك الشعبي

 دوللي بشعلاني
يواصل الحراك المدني تظاهراته ونشاطاته لكنّها باتت تقتصر في الفترة الأخيرة على الاعتصام أمام المحكمة العسكرية للمطالبة بالإفراج عن الشبّان الموقوفين بسبب ما قاموا به من أعمال شغب ضدّ قوى الأمن وتخريب الأملاك العامّة والخاصة، ولعلّ هذا ما فرمل السرعة التي كاد يصل بها هذا الحراك الى تحقيق مطالب الشعب المحقّة، على ما ترى أوساط ديبلوماسية متابعة. فبعد الثقة الأولية التي أعطاها قسم كبير من الشعب الذي ضجر من الطبقة السياسية الحاكمة ووعودها لهذا الحراك، آملاً منه إحداث التغيير، بدأت هذه الثقة تخفّ تدريجاً مع الممارسات التي لا تؤدّي، بحسب رأيها، الى تحقيق الهدف المنشود.

كما أنّ الحراك الذي رافقته شائعات حول تحريكه من سفارات أجنبية أو أنّه يخدم أجندة خارجية من دون أن يتمّ التأكّد من هذه أو تلك حتى الآن، لم يسلك الطريق الصحيح، تضيف الأوساط نفسها، الذي يوصل شريحة كبيرة من الشعب الى تحقيق مطلب ما، ليتمكّن بعد ذلك من الانتقال الى مطلب آخر. فالمطالبة بنزع النفايات من الشارع أولاً التي ترافقت مع المطلب الملحّ الذي نادى باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق، تراجعا أمام مطالب أخرى تتعلّق بالإفراج عن الناشطين الموقوفين، ما شتّت قوّة هذا الحراك فأضاع أهدافه.
في الوقت نفسه، إنّ عدم قدرة الحراك على التكلّم بلغة واحدة، على ما أشارت الاوساط، ودعدم التوافق على نقاط مشتركة، لا سيما أنّ كلّ يوم نسمع باسم هيئة أو تجمّع جديد، فبعد «طلعت ريحتكم»، و«بدنا نحاسب»، برز «طفح الكيل»، و«حلّوا عنا»، و«عكّار منّا مزبلة»، و«بدنا الدولة»، و«عَ الشارع»، و«شباب 22 آب»، و«الشعب يريد»، و«شباب ضد النظام»، وسواها. وكلّ من هذه التحرّكات لها أهداف معينة، على ما يظهر خلال التظاهرات التي تقوم بها، ما لا يجعلها «قوة صدم» أو «قوة تغيير»، كما يفترض أن تكون بعد أشهر من نزولها الى الشارع.
من هنا، تجد الاوساط أنّ الحراك المدني لن يتحوّل الى ثورة شعبية، ما دامت تنقصه عوامل كثيرة أبرزها: عدم التنسيق بين مختلف التجمّعات، تشتّت المواقف والأهداف، عدم التركيز على هدف واحد والانتقال الى آخر محدّد بعد تحقّق الأول، عدم تقديم الخطط البديلة العملية بل الاكتفاء بالإشارة الى وجودها وبكثرة، عدم الإكتراث الى الفوضى التي تخلقها التحرّكات في البلاد وإفشال موسم السياحة وتعطيل المؤسسات التجارية العاملة في وسط بيروت، خلق الفوضى غير الخلاقة وغير المخطط لها والتي لا تؤدّي سوى للتصادم مع قوى الأمن بدلاً من مواجهة السياسيين أو المسؤولين عن تعطيل الحلول للمشاكل التي يعاني منها المواطنون والتي تتراكم يوماً بعد يوم، بسبب عدم اجتماع مجلس الوزراء من جهة، وعدم قدرة الحراك على تحريك أي ملف.
كذلك فليس المطلوب، بحسب رأي الاوساط، تحوّل الحراك في لبنان الى ثورة شعبية خصوصاً أنّ الثورات العربية، وإن نجحت في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، غير أنّها لم تتمكّن حتى الآن من استبدالها برؤساء فاعلين وحكومات قادرة على إعادة الأمن والاستقرار الى بلدانها. كما أنّ لبنان ليس دولة تفتقر الى النظام، إلاّ أنّ دستوره المبني على «اتفاق الطائف» الذي قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يستطع إيجاد الحلول لشلّ عمل المؤسسات، لا بدّ أن يُعدّل، وهذا الأمر لا يحصل في الشارع بل داخل المؤسسات الدستورية.
غير أنّ أفضل ما في الحراك المدني، على ما لفتت الأوساط عينها، هو العيش المشترك الفعلي، إذ تضمّ جميع الحركات شبّاناً من مختلف الطوائف، ولا يحول دين أو طائفة أي ناشط منهم دون انضمامه الى التجمّع الذي يجد أنّه يُلبّي مطالبه. وهذا الأمر هو محط إعجاب من قبل الدول الخارجية المراقبة، التي وجدت أنّ الحراك يخلو من الشعارات والأعلام الطائفية والدينية، ويُطالب بما يصبّ في مصلحة المواطنين بشكل عام، وإن تعدّدت أو اختلفت هذه المطالب. وهذا ما يميّزه عن كلّ التظاهرات السابقة التي شهدها لبنان منذ العام 2005 التي حدّت نفسها إمّا بفريق سياسي محدّد (8 و14 آذار) أو بحزب او تيّار معيّن.
وفي رأي العواصم الغربية، إنّ الحراك يحاول اليوم تحريك الساحة السياسية الداخلية شبه المشلولة منذ شغور الكرسي الرئاسي منذ عام ونحو خمسة أشهر، وعدم عمل الحكومة ومجلس النوّاب بالشكل المطلوب، ولهذا فكّرت جديّاً في تأييده وتمويله بغية تحقيق تطوّر ما، على ما فعلت السفارة الأميركية، لكنّها سرعان ما بدّلت موقفها منه عندما وجدت أنّه ينشر الفوضى التي تُضاف الى الأزمات التي يعاني منها البلد، من خلال أعمال الشغب التي يقوم بها الناشطون بدلاً من الحفاظ على تظاهراتهم سلمية وحضارية ومستمرة لنيل المطالب المحقّة. ومن هنا، فإنّ دول الخارج حرصت في البدء على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، تقول الأوساط الديبلوماسية، ولكن عندما وجدت أنّه انغمس فيها، طالبت من الجميع الحفاظ على أمنه واستقراره وعدم تعريضهما الى الاهتزاز لأي سبب كان.
وإذ كانت الأولوية اليوم بالنسبة لدول الخارج حلّ الأزمة السورية لا سيما بعد التدخّل العسكري الروسي في سوريا، فإنّها تحرص في الوقت نفسه على إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها لبنان، وتجد أنّ ذلك لا يتمّ سوى بانتخاب رئيس الجمهورية لكي تعود الحركة الفعلية للمؤسسات الدستورية. وتقول الأوساط يبدو أنّ الباب لانتخاب الرئيس العتيد للبنان لم يعد مقفلاً، بل قد نراه يُفتح في الأشهر القليلة المقبلة