القاهرة – مصطفى بسيوني
التعبئة والحشد اللذان توفرا للنظام السياسي الحالي في مصر لم يتوفرا للأنظمة السابقة منذ ستينيات القرن الماضي.
وبفضل تلك التعبئة، تمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي من اجتياز عقبات واختبارات صعبة، كانت ستهز أي نظام آخر، فقد تمكّن من إلحاق الهزيمة بأكبر معارضة لنظامه، أي جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائها، ودفعهم خارج الساحة كليا، بحيث أصبح تأثيرهم شبه معدوم، بعدما كانت الجماعة المحظورة على رأس الحكم حتى أواسط العام 2013. كما ان هذه التعبئة أسهمت في تهميش باقي قوى المعارضة المصرية غير «الإخوانية».
وعلاوة على ذلك، نجح السيسي في كسر العزلة الدولية التي عانى منها النظام الجديد سريعاً، وبدرجة عالية من المهارة والمناورة، حتى ان المشكلة الامنية تم توظيفها بنجاح في الحصول على الدعم الدولي، وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، وتبرير الإجراءات والتشريعات والقوانين التي عززت من قوة النظام.
وبرغم ذلك، يبقى الاختبار الاقتصادي هو الأصعب والأخطر أمام النظام السياسي في مصر، فالقوى والطبقات الاجتماعية التي أيّدت السيسي وفوضته قائداً للمعركة ضد الإرهاب، هي ذاتها التي بدأت تبدي تململاً، وصارت تسأل عن الوعود التي قطعها الرئيس المصري على نفسه.
ومع هبوب رياح غير مواتية للاقتصاد المصري، يزداد الاختبار صعوبة يوماً بعد الآخر.
فقد ارتفع مؤشر النمو الاقتصادي في العام 2014/2015 ليزيد على أربعة في المئة، إلا أن الحساب الختامي لموازنة الدولة للعام 2014/2015 خرج بعجز في الموازنة وصل الى 11.5 في المئة بينما كان المستهدف 10 في المئة فقط، في حين انخفضت المصروفات عن المستهدف في الموازنة العامة للعام ذاته بنحو 7 في المئة.
وفي الوقت ذاته، تم تخفيض دعم الطاقة للموازنة الثانية على التوالي بقيمة 40 مليار جنيه، بدلا من 100 مليار جنيه، وكان قد خُفّض في السنة السابقة بقيمة 70 مليار جنيه.
أما مؤشر البطالة الذي شهد بعض التحسن في الفترة الماضية، فلا يزال مرتفعا بنسبة حوالي 12.5 في المئة من قوة العمل. ولكن مع تراجع السياحة، نتيجة للاوضاع الامنية، وخاصة بعد كارثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء، فإنّ هذه النسبة مرشحة للارتفاع مجددا. التضخم أيضا ارتفع في تشرين الاول الماضي بنسبة 2.3 في المئة مقارنة بشهر ايلول، بينما ارتفع بنسبة 10.3 في المئة مقارنة بشهر تشرين الاول من العام 2014، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كذلك، فإن المشاريع الاقتصادية التي طرحها السيسي بدت ذات طابع احتفالي ودعائي أكثر منها ذات مضمون اقتصادي حقيقي، فمؤتمر شرم الشيخ الذي حشد له من أنحاء العالم، وانعقد في آذار الماضي، تم تسويقه كمنقذ للاقتصاد المصري، وقد أذيعت يومها أرقام وبيانات فلكية عن نتائج هذا المؤتمر، ولكن بعد مرور أشهر لم تظهر نتائج حقيقية له.
أما «قناة السويس الجديدة» التي كافحت الدولة المصرية كثيراً لإنهائها في عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام، وأعدت لها افتتاحا أسطوريا في آب الماضي، مبشرة بارتفاع إيرادات عبور السفن بعد عمليات التوسيع، لم تكن على قدر التوقعات حتى الآن، اذ منيت قناة السويس بتراجع كبير في الايرادات جراء تراجع معدلات التجارة العالمية، بل أصبحت هيئة قناة السويس مديونة بـ1.4 مليار دولار، بحسب تقرير لجريدة «الشروق» المصرية.
ومع تراجع الدعم الخليجي وإيرادات قناة السويس وعدم تلبية التدفقات الاستثمارية للتوقعات، وتراجع احتياط النقد الأجنبي لدى المصري المركزي المصري بنحو 16.4 مليار دولار، قفز سعر صرف الدولار بنسبة تزيد على 10 في المئة خلال العام 2015، ليصل إلى حوالي ثمانية جنيهات بعدما كان بحوالي 7.2 جنيهات، قبل أن يرفع المصرف المركزي قيمة العملة المصرية أمام الدولار الاسبوع الماضي، بقيمة عشرين قرشاً، في إجراء مفاجئ كبح التراجع في سعر الصرف.
وإذ يبدو هذا الإجراء غريباً في الوقت الذي تشير التوقعات الى تراجع إيرادات السياحة الأجنبية نتيجة حادث الطائرة الروسية، وبالتالي تراجع إيرادات العملة الأجنبية، ما يعني تراجع الجنيه، فإن الباحث الاقتصادي وائل جمال يرى أن الإجراء له طابع سياسي أكثر منه اقتصاديا، اذ يؤكد لـ «السفير» أن «قرار خفض الجنيه قرار سياسي بالأساس، وربما يكون الهدف منه امتصاص الغضب الناتج من ارتفاع الأسعار».
ويرى جمال ان قراراً كهذا «إذا لم يكن مبنياً على أساس اقتصادي قوي فستكون نتائجه عكسية»، موضحاً انه «إذا لم تتوفر الايرادات من العملة الصعبة للمحافظة على سعر الصرف ومنع المضاربة على الدولار، فسيعود الارتفاع مجددا، ولذلك فإنّ القرار يتضمن بالفعل محاولة للسيطرة على سوق الصرف وبالتالي على التضخم، ولكنه أيضا ينطوي على مخاطرة».
قرار خفض الدولار سبقه طرح شهادات استثمار بالجنيه بفائدة مرتفعة، بهدف دعم العملة المصرية أمام الدولار وخفض التضخم عبر سحب السيولة من السوق.
ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة عمرو عادلي ايضاً ان الإجراء ينطوي على مخاطرة، اذ يقول لـ «السفير» ان «الخطوة غير مفهومة بالكامل، فهي تحاول السيطرة على السوق السوداء للعملة، وتضغط على الدولار خاصة مع رفع الفائدة على الجنيه، ولكنها ايضا تمثل مخاطرة لأنه إذا لم يتم حل مشكلة موارد النقد الأجنبي والواردات التي تستهلك النقد الأجنبي فستكون النتيجة عسكية»، مشيرا كذلك الى ان «رفع الفائدة على الجنيه سيضغط على الدولار بالفعل، ولكنه سيزيد تكلفة الاقتراض للمستثمرين، وسيرفع تكلفة ديون الحكومة».
تعقيدات الوضع الاقتصادي أوجدت ضغطا واضحا على الطبقات الفقيرة، وحتى المتوسطة، خاصة مع اتجاه الدولة المصرية الى حل الأزمة الاقتصادية عبر خفض الإنفاق العام، ولا سيما الدعم، في الوقت الذي تستمر فيه امتيازات المستثمرين، بما في ذلك إلغاء حزمة الضرائب على الثروة وتعاملات البورصة والشرائح العليا من الضرائب، والاتجاه نحو تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي ستؤدي الى موجة تضخمية جديدة.
وبرغم الشعبية الجارفة التي حظي بها السيسي، إلا أن الضغط على الطبقات الفقيرة لن يمر من دون رد فعل. وربما كان رئيس مؤتمر مؤسسة «أخبار اليوم» الاقتصادي ياسر رزق، الذي يعد من أشد مؤيدي السيسي، عندما قال في افتتاح المؤتمر قبل شهر «لم يعد الصبر من شيم الشعوب».
وبدا واضحا أن ردود الأفعال ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ستكون مؤثرة وسريعة، ما لم تظهر في الأفق بوادر انفراج للأزمة القائمة، والتي أصبحت أكثر وضوحا، ولكنها أيضا أكثر ارتباطا بالأوضاع العالمية. وبحسب ما يقول عمرو عادلي لـ «السفير» فقد «كان هناك تباطؤ في الاقتصاد المصري منذ العام 2011. وابتداءً من العام 2014 برز تحسن نسبي في مناخ الاستثمار في مصر، كما تحسن المناخ الأمني. ولكن ما حدث يعتبر سوء حظ، ففي اللحظة التي بدا فيها الاقتصاد قابلاً للتعافي، بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية. فتعمقت الأزمة في أوروبا، مع تباطؤ للنمو في الصين. ووضع مصر السياسي يجعلها أكثر حساسية للأزمة العالمية».
ويضيف عادلي «هناك بوادر تعاف في أوروبا. كما أن معدّل النمو في الصين بدأ يرتفع، ولكن في القطاع الخدمي لا الصناعي، وقد يدعم تعافي الاقتصاد الأوروبي الاقتصاد المصري نسبياً، وإلا فسيكون هناك المزيد من التضخم وأزمة ركود وارتفاع في معدلات البطالة، خاصة مع أزمة قطاع السياحة والذي تأثر بحادث الطائرة الروسية».
ترقب الانفراج الذي دام عامين تحول إلى همهمة غاضبة. والإضرابات والاعتصامات والتظاهرات بدأت تظهر مرة أخرى. فعمال المحلة أضربوا لعشرة أيام حتى حصلوا على علاوة اجتماعية، وحملة الماجستير والدكتوراه اندفعوا للتظاهر في ميدان التحرير الذي خلا من التظاهرات منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية. والمحافظات المنكوبة بالسيول قطعت الطرق وهتفت ضد الإهمال والظلم. مشاهد تبدو جديدة في ظل حكم السيسي، الذي اصطف حوله الشعب ضد الإرهاب، ليصبح الرئيس الذي اجتاز كل الاختبارات أمام اختبار أطاح من قبل حسني مبارك.
الاقتصاد المصري: الاختبار الأقسى للسيسي
0