كانت جلسة الأمس هي الأولى لأحد المدعى عليهم الذين تمّ إخلاء سبيلهم في صفقة التبادل التي حصلت منذ أسبوع بين الدولة اللبنانيّة و «جبهة النّصرة». والأهمّ فيها هو إدراج اسم جمانة حميّد على «رول» المحكمة العسكريّة باعتبارها مدّعى عليها بجرم نقل سيارتين مفخّختين واستعمال رخصة سيارة مزوّرة مع علمها بالأمر.
الكثير من الفتيات المتهّمات جلسنَ في المكان المخصّص لهنّ على المقعد الأوّل على يسار المحكمة. ولكنّ ابنة الثلاثة والثلاثين لم تكن موجودة بينهنّ. هي التي لم تسق إلى المحكمة العسكريّة منذ توقيفها في 10 آذار 2013 إلّا مرّةً واحدة حينما صرخت بوجه نعيم عباس مدّعيةً أنّ لا علاقة لها بموضوع السيّارة المفخّخة.
صاحبة محلّ النحاسيات ارتأت البقاء مع عائلتها في عرسال إثر عمليّة التبادل، من دون أن تتمّ تسوية وضعها القضائي. هي اليوم لا تملك سجلاً أبيض وإنّما ما زالت متهمة بالجرم نفسه، خصوصاً أنّ الجلسة أرجئت ليتمّ إبلاغها لصقاً بموعد الجلسة المقبلة في 20 أيّار 2016.
وهذا يعني أنّ وضع جمانة حميّد ينطبق على سائر الموقوفين الذين تمّ إطلاق سراحهم. فقد حرّرت المحكمة العسكريّة نفسها من الصفقة برغم أنّها «الجندي المجهول» الذي وقف خلفها، لأنّ الموقوفين التسعة الذين أطلقوا كانوا موقوفين لصالح «العسكريّة».
ولذلك، فقد وقّع رئيسها العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم على طلبات إخلاء سبيل الموقوفين الـ9 وليس على كفّ التعقبات بحقهم. فيما كانت العقبة الأساسية إخلاء سبيل عبد اللطيف أسعد لانه صادر بحقه حكم في أيلول 2014 يقضي بالأشغال الشاقة لمدّة ثلاث سنوات، فما كان من «العسكريّة» إلا أن أعادت محاكمته من جديد ثم إخلاء سبيله كما لو أنّ الحكم الصادر بحقّه لم يكن.
وبالتالي، فإنّ اسماء هؤلاء ستبقى مدرجة كمدعى عليهم على أن تصدر الأحكام بحقهم وجاهياً إن حضروا أو حتى غيابياً. ليسأل البعض عمّا إذا كانت «النصرة» تدري بأنّها لم تبرئ من طالبت بإطلاق سراحهم أو أنّها ستشير إلى أنّ السّلطات اللبنانيّة قد «غرّرت بها»؟ وهل سيؤثّر المسار القانوني سلباً على إمكانيّة التفاوض مع تنظيم «داعش» الذي نقلت عنه «هيئة علماء القلمون» منذ يومين أنّ «التنظيم يراقب تنفيذ لبنان بنود صفقة التبادل، وأنّ أي تلكؤ من الجانب اللبناني لتنفيذ بنود الاتفاق سيدفع ثمنه من تبقى من أسرى لدى تنظيم الدولة الاسلامية»؟
في المقابل، فإنّ «العسكريّة» قد نفّذت القانون الذي يمنعها من إطلاق سراح أي موقوف إلا من خلال إخلاء السبيل أو بإصدار عفو عنه. وبما أنّ الخيار الثاني لم يكن مطروحاً، فإنّ العميد ابراهيم قد سار بالأول بأن يكون الموقوفون أحراراً من دون أن يكونوا أبرياء من التّهم الموجّهة إليهم، بل إنّ جلساتهم ستستمرّ وهم أحرار، أي حضور الجلسات من خارج المحكمة، لتصدر فيهم الأحكام وجاهياً إن حضروا أو غيابياً إن تعمّدوا عدم متابعة جلساتهم.
وتؤكّد المعلومات أن إخلاء السبيل لم يكن مشروطاً بمنعهم من الخروج من الأراضي اللبنانيّة. وإّلا لما كانت سجى الدليمي قد أعلنت رغبتها في مغادرة الأراضي اللبنانيّة باتجاه تركيا ونيتها بتقديم لجوء سياسي إلى إحدى الدول الأوروبيّة. والمرجّح أن تحضر طليقة البغدادي الجلسة المقرّرة في 28 المقبل لأنها مرتاحة بأنّ الحكم عليها لن يكون أعلى من المدّة التي قضتها داخل السّجن باعتبار أن التهمة المسندة إليها هي استخدام أوراق مزوّرة.
جمانة حميّد: قدت السيارة بقوّة التهديد!
أمّا التهمة الموجهة إلى حميّد تبقى الأكبر مقارنةً مع باقي المخلى سبيلهم في عمليّة التبادل. إذ أنّها متّهمة (وفق القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق العسكريّ فادي صوان في تموز 2014) بجنايات المواد 335 و549/201 و549/454 عقوبات و5 و6 من قانون 11/1/58 (قانون الإرهاب)، بالإضافة إلى جنحتي المادتين 733 عقوبات و72 أسلحة.
وتصل عقوبة هذه التّهم بالانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلّح بهدف القيام بأعمال إرهابيّة بواسطة السيارات المفخخة بالمتفجّرات ونقل المتفجرات واستخدام أوراق مزوّرة.. إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة والإعدام. ممّا يزيد من صعوبة وضع حميّد، وإن كانت قد أشارت في معرض إفادتها الاستنطاقيّة أمام القاضي صوّان أنّها نقلت سيارتين (الأولى من نوع رينو والثانية من نوع كيا ريو) من دون علمها بأنّهما مفخختان. وروت أنّ حسين أمون أوهمها أنّ السيارة الأولى تعود لإمرأة من بيروت وطلب نقلها إليها بمثابة خدمة شخصيّة له، وأوهمها أنّ السيارة الثانية تعود إلى شخص سوري لا يستطيع الدخول إلى عرسال ويريد تسلّم سيارته في اللّبوة.
كذلك زعمت حميّد خلال التحقيق معها أنّها لم تكن على علم أنّ السيارة من نوع «كيا» كانت مسجّلة في النافعة باسمها الشخصي، فيما كان ذلك ثابتاً برخصة السير التي ضبطت معها. وأنكرت أيضاً ما ذكرته في إفادتها الأوليّة أنّها كانت موعودة بأن يعطيها حسين أمّون مبلغ 10 آلاف دولار أميركي كمكافأة، مؤكّدةً أنّها لم تكن بصدد تنفيذ عملية انتحاريّة.
وبالإضافة إلى كلّ ذلك، أشارت حميّد إلى أنّ الشخص الذي رافقها في سيارة «رينو» من عاليه إلى بيروت (والشخص هو السوري فارس الحمود المتواري عن الأنظار والملقّب بفادي الذي أوصلها إلى جسر الكولا حيث استلم منها السيارة فيما كان نعيم عباس يسير بسيارته أمامه لإرشاده على الطريق حيث تمّ ركنها في موقف عمومي قرب سليم سلام) أجبرها بالقوة على ذلك، برغم أنها أشارت إلى أنه لم يهددها بأي سلاح ظاهر!
صحيح أنّ ناقلة السيارتين المفخختين قد حاولت تبرئة نفسها خلال إدلائها بإفادتها الاستنطاقيّة في حضور وكيل الدّفاع عنها المحامي طارق شندب، إلا أنّ ذلك لن يعفيها من حكمٍ مكلف. إذ أنّه تمّ إلقاء القبض عليها عبر فخّ محكم أداره نعيم عباس من مكان توقيفه في مديريّة المخابرات، عندما اتصل بها نعيم عباس من رقمين مختلفين وبعد كلمات سرّ بينهما عندما سألها: «أنت سافرة أو محجبة» ثم أقفل الخطّ ليعيد الاتصال بها من رقم ثانٍ ليؤكّد لها أنّه بأمان لإيصال السيارة إلى منطقة عاليه، بعدما أشار عباس إلى أنّها تريد الثأر لشقيقها الذي قتل في سوريا.
فيما يعرب البعض عن اعتقادهم ألا يكون الحكم أكثر من 3 سنوات سجنيّة قضتها منذ توقيفها في آذار 2013، أي الاكتفاء بمدّة توقيفها ومحاكمتها غيابياً بحكم الوجاهي في حال عدم حضورها. أمّا الأقرب إلى الواقعيّة هو عدم صدور الحكم بحقّ جمانة حميّد، خصوصاً بعد انعقاد الجلسة أمس ليتبيّن، كما العادة، إصرار نعيم عباس على تأجيلها مرةً تلو الأخرى.. وصولاً إلى طرحه تكليف محامٍ مصري!