في دارته منذ أيام، كان نائب وزعيم شمالي ورئيس تيار سياسي يستقبل مجموعة من الإعلاميين على مائدة العشاء، حيث انطلق النقاش ككل الاحاديث هذه الأيام من الحدث الرياضي الأبرز “المونديال”، ليتشعّب الى المونديال السياسي بفروعه الدستورية والأمنية والاجتماعية، وفي مقدّمها سلسلة الرتب والرواتب.ما سمع منه خلال الجلسة لم يختلف عن وجهات النظر التي يتناقلها من هم في المقلب الثاني من توجهاته السياسية. تتقاطع الآراء عند نقطة واحدة، وهي ان الاستحقاق الأبرز هذه الأيام، هو ارجاء كل الاستحقاقات الداخلية الى موعد لاحق.أول العنقود هو انتخابات رئاسة الجمهورية. “الظاهر مطولي”، يرددها المعنيون للسائل عن أي جديد على هذا الصعيد. فلا قابلية راهناً لأي تبديل في التوازنات الداخلية، يسمح بتخطي الحاجزين الرقميين المتمثلين بتأمين نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة، واكثرية النصف زائد واحد لانتخاب الرئيس.
وجاءت التطورات العراقية بمثابة “الشحمة ع فطيرة” لتزيد التأجيل تأجيلاً، وتضيف عشرات الجلسات غير المنعقدة الى سجل الدعوة الى انتخاب الخلف للعماد ميشال سليمان. بناء عليه، سيواصل رئيس المجلس النيابي ممارسة صلاحياته في تحديد المواعيد، اسبوعاً بعد آخر. لكن الأجواء المعطوفة على المعلومات تفيد بأن الاستحقاق الدستوري الأبرز سيبقى على حاله بلا حسم، حتى مطلع العام المقبل على الأقل.في قراءته، لا يرى “صاحب الدعوة” أن الأحداث الأمنية المتنقلة قد تؤدي الى سيناريو مشابه لما حصل عشية العام 2008، يوم بدأت التطورات بأحداث نهر البارد، واستتبعت بالخامس والسابع من أيار، واختتمت بانتقال قائد الجيش من اليرزة الى قصر بعبدا. فالظروف مختلفة هذه المرة. فلقوى “الرابع عشر من آذار” مرشحها المعلن الذي عرف كيف يحوّل نفسه الى الرقم الصعب ضمن فريقه، قاطعاً الطريق على أي ترشيح آخر من امين الجميل الى بطرس حرب. بينما تدعم “الثامن من آذار” وصول العماد ميشال عون، وان كان لا يزال يتريّث في إعلانه الرسمي عن خوض هذا الغمار. لذلك، لا يبدو أي من الفريقين في وارد التنازل لمن هو من خارج الناديين حتى الساعة.
من جهة، فتيار المستقبل غير متحمّس للخيار العسكري، تاركاً لعدد من نوابه مساحة واسعة للتصعيد في وجه العماد جان قهوجي من بوابة ما يحصل بين الحين والآخر على البقعة الجغرافية الممتدة من عرسال الى طرابلس وصولاً الى عكار.في المقابل، لا يبدي حزب الله حماسة لقهوجي، وهو لن يذهب في أي خيار “يزعج” العماد عون، حسب قراءة النائب المعني. سيبقى الحزب خلف رئيس تكتل التغيير والإصلاح، الى ان يقتنع عون بانتفاء حظوظه، او تنضج الظروف المؤدية الى حصول دولة الرئيس على لقب صاحب الفخامة.ماذا بعد اذاً؟ وهل من إمكانية لاحداث خرق في “الكتلة الوسطية”؟ هنا ايضاً لا تزال الأمور تراوح مكانها. وعلى عكس ما يتردد، لا يرى النائب الشمالي ان للنائب وليد جنبلاط “انتانات” تلتقط ترددات التغيرات الإقليمية، والاّ لماذا يقول الشيء وعكسه احياناً؟ لا بل يعتبر ان “زعيم المختارة” ينحو دائماً في اتجاه التقلبات في المواقف، ليقف في صفوف الرابحين، وإن تطلّب ذلك كمّاً من المواقف المتناقضة في غضون ساعات قليلة. لذلك، سيحتفظ جنبلاط بتموضعه في الأسابيع المقبلة، “ليبيع” اصواته الى الجهة الفائزة عند نضوج الحلّ.اما بالنسبة الى الحل، فلن يكون وارداً قبل نضوج التطورات العراقية، التي تعيد رسم الخريطتين السياسية والجغرافية في المنطقة.
بناء عليه، سيستمر تصارع المحاور وتصادمها لتحديد نقاط القوة والضعف، قبل الانتقال الى المرحلة الثانية المتمثّلة بوقف اطلاق النار والشروع في التفاوض بساحاته المتعددة من سورية الى لبنان واليمن والعراق…وسط ما تقدّم، لا تبدو هذه الأيام من علامات زمن الحلول، لا بل على العكس، يجمع اكثر من معني بالقرار المحلّي، انها ساعة تمرير الوقت الى اجل غير مسمى. ما يضع الاستحقاق النيابي، وموعد دعوة الهيئات الناخبة قبله في مهبّ التأجيل. مرّة جديدة سيترجم اختلاف المحاور تمديداً للمجلس النيابي، حتى ربيع العام 2015 على اقلّ تقدير. ولكن هل الأكثرية مؤمّنة لذلك؟يرى المعنيون ان المشهد لن يختلف عما شهدناه في أيار 2013، يوم الجلسة الشهيرة التي لم تتعد الدقائق العشر. حضرت الكتل النيابية لتترجم الستاتيكو السياسي الإقليمي، تصديقاً على اقتراح القانون الذي تقدّم به النائب نقولا فتوش. وهذه المرة ايضاً، قد يبقى التيار الوطني الحر مغرّداً وحيداً خارج سرب التمديد “حفاظاً على تداول السلسلة وحرصاً على الديمقراطية”. لكن اللامبدئية التي قد يرفعها، لن تمنع تأمين الأصوات الكافية ليتحوّل التمديد امراً واقعاً.
في الانتظار، وحدها الحكومة ستكون فسحة اختبارات شدّ الحبال. ستعمل بالحد الأدنى الكفيل بإبقاء التفاهمات السياسية قائمة، مع ما يعنيه ذلك من مواصلة القدرة على ضبط الوضع الأمني الذي لن يخلو من الخضات، في سياق “الحرب على الإرهاب”.بقناعاتهم، يسلّم أصحاب القرار المحلّي بفرضية تمرير الوقت. اما فعلياً، فقد تحتاج الوقائع الى أسابيع إضافية لتتبلور على الأرض، وداخل المؤسسات، لترجمة ما يحكى في الغرف المغلقة: لا رئاسة ولا نيابة قبل ربيع وصيف العام 2015.
النص من جريدة البلد