اللافت التوقيت، تقول مصادر درزية متابعة، والزيارات المبرمجة «أرسلانيا». برأيه، المصالحات «الجنبلاطية» استنفذت والمطلوب الان اغلاق ما تبقى من الجروح وأحد أهمها مصالحة كفرمتى التي شهدت مجزرة كبيرة وشيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين «الدروز» الشيخ ناصر الدين الغريب معني شخصيا بالمصالحة وهو الذي خسر أخاه الشقيق القاضي الشيخ مسعود الغريب في تلك المجازر البغيضة.
لم تكن المصالحات لتستكمل لولا هذه الزيارة، تضيف المصادر، إلا أنها كانت قد نضجت منذ مدة والزيارات هي لتكريسها. الأهم، تضيف، النضج السياسي الحاصل على مستوى العقلين الدرزي والماروني. تاريخيا، العقد الاجتماعي الدرزي الماروني أسس للبنان الكبير، وهذا اللبنان اليوم بخطر التقسيم وإعادة النظر وإعادة الترسيم وغيرها من التحديات الآتية على صهوة وإيقاع موجات التكفير والإرهاب وكنتيجة حتمية لاستراتيجية الفراغ والتفريغ التي تعصف بمؤسسات الدولة من رأس الهرم في رئاسة الجمهورية، إلى السلطة التنفيذية، وصولا إلى أم المؤسسات المعطل.
البطريرك صاحب الدار ، تقول المصادر «ما إلنا شي بوجودو»، الزمن الذي يتقاتل فيه الدروز والموارنة إنتهى إلى غير رجعة، ونحن بحاجة إلى إعادة إحياء التواصل والحوارـ لأن التجارب التاريخية أثبتت بما لا يقبل الشك، أن تبني أي طائفة لمشروع سياسي خاص هو مشروع فاشل قبل ولادته، ومكتوب كنوع من الإنتحار السياسي، الذي يحاول كل طرف تجربته بدوره، مضيفة، لا السنية السياسية تمشي، ولا الشيعية السياسية، ولا المارونية السياسية، ولا الدرزية السياسية، لا يمشي في لبنان إلا مشروع الدولة.
وعن طرح إلغاء الطائفية السياسية قالت المصادر إن إتفاق الطائف لحظ آلية لذلك، «لماذا لا يطبق الطائف» سألت، وأضافت، نعم الطائفية السياسية بغيضة، ولا بد من إنهائها، إلا أننا كموحدين دروز نرفض أن يهدد أحد الموارنة أو الأقليات بطرح إلغاء الطائفية السياسية من باب المبدأ العددي، أو من منطلق تناقص أعداد البعض من الطوائف، أو طرح صيغ غير ميثاقية، ففكرة إلغاء الطائفية السياسية لا تمر إلا بتوافق جميع اللبنانيين، خاصة منهم المسيحيين، على آلية لتطبيقها، تحفظ حقوق الجميع، وليس من منطلق فرض، أو تخويف إطلاقا.
الزيارات لا تكفي وحدها مطلقا لإنهاء المصالحات، تقول المصادر، إلا أنها ضرورية من أجل كسر أية حواجز أو متاريس فكرية، ويبقى الدور الكبير للمجتمع المدني، للتفاعل الأخوي اليومي، والتواصل الحضاري والثقافي للشراكات والمشاريع والمصالح الإقتصادية المشتركة، وتضيف، لا بد من الإستثمار المشترك الدرزي الماروني، في مشاريع إنتاجية في الجبل، لا بد من إقفال ملف المصالحات، ودفع الحقوق إلى أصحابها، كما لا بد من إعتماد نموذج إقتصادي أكثر مرونة يشجع الإستثمار، والعمل على بنية تحتية حقيقية، لأن الجبل وإن يكن غير بعيد عن بيروت، إلا أن المواصلات منه وإليه على درجة من التخلف والقدم لا توصف، وبالتالي فهي بالكاد صالحة للحراك النزوحي المكوكي اليومي، فكيف لأغراض النقل الصناعي.
الكنيسة والبطريركية أنجزت مصالحة الجنبلاطية السياسية في وقت سابق، وأنجزت مصالحة اليزبكية السياسية في هذه الزيارة، تضيف المصادر، أراد البطريرك أن يرسل رسالة إلى الداخل والخارج، بأن هناك إجماعا درزيا مارونيا على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي الحفاظ على النظام والصيغة، باعتبار الطائفتين «أم الصبي»، كما دعمت زيارته خطة الوزير أكرم شهيب، لحل الملف الحامي «ملف النفايات»، مستخدما عبارة «مع الإعتذار» «مستوانا كلبنانيين مش زبالة».
كما تحمل الزيارة إعترافا بالمرجعية الدينية والسياسية الغير جنبلاطية تؤكد المصادر، من منطلق حرص الكنيسة على العلاقة مع مختلف الأطراف الدرزية، على مبدأ أن المصالحة الدرزية المارونية ليست «سياسية» بالمعنى السياسي، بل تحاول نقلها إلى البعد الروحي والإجتماعي والإنمائي، رغم صعوبة هذا الملف، إلا أنه أكثر من مطلوب، كي لا تكون المصالحة عرضة للإهتزاز في حال تغيرت بورصة المةواقف السياسيةالمرشحة فوق العادة للتغير متفاعلة مع المتغيرات السياسية المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
إذن بالمحصلة المطلوب من هذه الزيارة أن تقفل إلى غير رجعة ملف الحرب الأهلية في منطقة الجبل، ولن تكون يتيمة، فالكنيسة أيضا تعول على أذرعتها المدنية، من كاريتاس وكشافة، لتساهم في عودة التفاعل، كما المجتمع المدني سيتلقف المبادرات ويبني عليها، وهنا، تلفت المصادر إلى مبادرات من نوع لقاء أبناء الجبل الذي يضم شخصيات من الطائفتين، والمنتدى العالمي للأديان والإنسانية، الذي يضم في إدارته تنوعا يشبه لبنان، والمبادرتين تسهمان إسهاما كبيرا في التفاعل الحضاري والأخوي، وتقيمان أنشطة تتخطى الطوائف بالمعنى الضيق، إلى تأثير أكثر مصالحاتي توعوي.
برنامج موزون ومتوازن لزيارة السيد البطريرك، وقبول شعبي عارم لهذه الزيارة، واستقبالات حاشدة تؤشر لمزاج شعبي قابل وجاهز لإنهاء الخلاف وتحقيق المصالجة الحقيقية، ويبقى على الصندوق الوطني للمهجرين تحمل مسؤولياته، تضيف المصادر كما والحرص على إيجاد أسباب لعودة المسيحيين من منطلق خلق الحوافز، لأن مصالحة بدون عودة حقيقية مصالحة غير مجدية، وعودة بدون مبادرات استثمار وفرص عمل أيضا لا تفيد، فعدم ذلك سيؤدي ليس فقط إلى عدم عودة المسيحيين، بل إلى هجرة الدروز التي تتزايد بشكل مقلق مؤخرا.
الزيارة تختم بعشاء في دارة الامير طلال أرسلان في خلدة، على ذلك يعلق ظريف بالقول «سيدنا عملها عاللبناني، لا مصالحة بلا ممالحة، منعادة سيدنا»..