ميشال نصر
مع دخول ازمة الفراغ الرئاسي شهرها الرابع، بدا واضحاً ان الاولوية التي لا تزال تحتل الاهتمامات الرسمية السياسية والعسكرية في هذه المرحلة هي قضية الاسرى العسكريين المختطفين لدى التنظيمات المتطرفة والتي ادخلت في الساعات الاخيرة في اطار اعادة تصويب للتعامل معها من خلال التواصل مع اهالي العسكريين الاسرى وسد منافذ الاستغلال والتوظيف الدعائي التي لجأت اليها الجهات الخاطفة للضغط على المراجع اللبنانية المعنية بهذا الملف، مع تحوّل القضية الى عنوان ثابت كبير، بانتظار وساطة اقليمية لم تتظهر نتائجها المباشرة وغير المباشرة بعد، في حين رفضت هيئة العلماء المسلمين العودة الى لعب دور الوسيط، علما ان الوقت يداهم الجميع ويشكل ورقة ضغط خصوصا على السلطات اللبنانية.
فبحسب مصادر متابعة للملف ان المفاوضين يراهنون على التمايزات بين الجهات الخاطفة التي قد يمكن البناء عليها لمعرفة التعامل مع كل منها، وهو ما اصبح جليا من خلال التضارب في المطالب حيث تطرح جبهة النصرة بشكل اساسي مطالب تتعلق بقضايا انسانية ولوجستية ميدانية ، مرتبطة بالنازحين الموجودين في عرسال وبعدم قطع الشرايين الحيوية التي تربطهم ببعض المناطق اللبنانية الحدودية على ابواب فصل الشتاء، رافضة الحصول على مبالغ مالية مقابل الاسرى لديها ، بخلاف «داعش التي طلبت مبلغ مليون دولار في المفاوضات الاولية مقابل كل عسكري ، وبموافقة الحكومة على مبدا التفاوض للافراج عن بعض الموقوفين في السجون اللبنانية من محكومين ومتهمين من دون ذكر الاسماء، وان كانت التسريبات تحدثت عن الدفتردار وعباس والسماح للشيخ احمد الاسير وفضل شاكر بمغادرة لبنان.
مصادر وزارية اكدت أن إطلاق المخطوفين وإعادتهم سالمين الى عائلاتهم أولوية، كما ان عدم اتخاذ أي خطوات عاجلة لا يعني أبداً ان الملف متروك من دون أي اهتمام، متحدّثة عن اتصالات تتم بعيداً من مجلس الوزراء بهدف بلورة صورة عن مسار التفاوض وإمكانية دخول مفاوضين جدد ، فالاتصالات الجارية لا توفر أياً من الدول او الجهات التي يفترض انها يمكن ان تضطلع بدور في ايجاد حل سريع لها ولكن وسط حذر شديد، لان لا حل الا بالتفاوض، لان اي خطأ متعمد او غير متعمد ستدفع الحكومة ثمنه باعتبارها المكلفة حماية السيادة اللبنانية وأرواح عسكرييها، دون ان يعني ذلك قبول مطالب تعجز أي سلطة سياسية عن تلبيتها.
وتتابع المصادر ان حصر الملف برئيس الحكومة ووزير الداخلية يساعد الى مدى بعيد في منْع تسرب اي معطيات، علماً ان مجلس الوزراء مجتمعاً أبدى تفهمه ودعمه لهذا المنحى حتى لو لم يجر اطلاع المجلس نفسه على كل التفاصيل المتعلقة بهذه الجهود، كاشفة أن بعض الوزراء أطلقوا تصريحات مؤخراً وهي ليست بالضرورة تعبّر عن آراء الحكومة وأن الأصداء لم تتردّد في مجلس الوزراء، عازية الاسباب الى رغبة جميع الافرقاء في تلافي المواجهة بين اعضاء الحكومة، فالرئيس سلام لا يرغب في إثارة ملف يؤثر على التضامن الوزاري القائم، كما أن هناك رغبة حقيقية في عدم الخوض في تفاصيل المطالب على طاولة الحكومة كي لا يفتح المجال واسعاً أمام الأخذ والردّ، سيما ان الملف متشعّب ويطرح أكثر من أمر سواء بالنسبة الى مطالب الجهات الخاطفة او بالنسبة الى التعاطي مع الملف وما يتفرّع منه في ما خصّ المفاوضات التي جرت والتي ستجري لاحقاً من موضوع مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا، الى الاتصالات التي اجراها احد المسؤولين الامنيين بالقيادة السورية ، لافتة الى أن العمل على هذا الملف يستدعي أعلى درجات الحذر وان اي تفاوض على صعيد الحكومة أمر غير وارد حتى وإن اتخذت قرارها بتكليف وسطاء او مفاوضين للقيام بالمهمة المنشودة، بحيث يصدر التكليف الرسمي فحسب دون أي أمر آخر.
واكدت المصادر ان التعامل الإعلامي والتعاطي العلني مع هذا الملف الذي غلب عليه كشف الكثير من المعطيات والتسريبات، من الحديث عن أماكن مفترضة لاحتجاز الرهائن او سواها من سيناريوات غالبا ما تعوزها الدقة، اضر «بالمفاوضات» الجارية وتسبب في تعليقها وفشلها في تحقيق النتائج المرجوة، ورسم علامات استفهام واسعة حول خلفيات هذا التعامل التي تقف وراءه جهات محلية واقليمية معروفة تسعى لتحقيق مكاسب ظرفية وتصفية حسابات سياسية .
الا ان الجديد المتوافر حول المفاوضات تضيف المصادر، يشير الى توقف الاتصالات حاليا، بعد رفع طرفي الملف سقفيهما ، مع رفض الأولى التفاوض ومبدأ المقايضة، ومطالبة الاخرى حزب الله بالانسحاب من سوريا، بعد ان نجحت الجهات المعنية في تحديد عدد العسكريين المخطوفين وكيفية توزيعهم بين الخاطفين، وتحديد التنظيمات والفصائل الخاطفة وفي هذا الاطار خلصت الاستقصاءات بحسب المصادر الوزارية الى التالي:
عدد المخطوفين من جيش وقوى امن داخلي هو خمسة وثلاثون عسكرياً، يتوزعون خمسة عشر عنصراً من قوى الأمن الداخلي موجودون لدى «جبهة النصرة» كما دلت شرائط الفيديو والمعلومات المسلمة من الوسطاء الى السلطات اللبنانية، وعشرون عسكرياً من الجيش اللبناني، هم: مصطفى وهبة – خالد محمد حسن – علي السيد- حسين عمار- عبد الرحيم دياب- علي المصري- سيف حسن ذبيان- ابراهيم مغيط – عباس مدلج- محمد يوسف – علي الحاج حسن- جورج خوري – ريان سلام -ناهي بوقلفوني- محمد القادري- ابراهيم شعبان – أحمد غية- محمد حمية- وائل درويش- علي قاسم علي.
بحسب شريطي فيديو المسلمين من قبل «داعش» الى رئاسة الحكومة اللبنانية عبر «هيئة العلماء المسلمين»، هناك جثة شهيد للجيش لدى داعش اضافة الى 11 عسكرياً من الجيش مخطوفين لدى التنظيم، أربعة منهم لم توزع صورهم وهم عباس مدلج علي الحاج حسن محمد يوسف وابراهيم مغيط اضافة الى مصطفى وهبة خالد حسن علي السيد حسين عمار عبد الرحيم دياب علي المصري سيف حسن ذبيان، فيما ظهر كل من الجنود جورج خوري- ناهي بوقلفون- محمد حمية – محمد القادري – ابراهيم شعبان – أحمد غية – وائل درويش، في شريط فيديو في اليوم الثاني للمعارك.
وبالتالي تضيف المصادر الوزارية فان العسكريين الثمانية المذكورين أسروا أحياء واما أن يكونوا جميعاً مع جبهة النصرة أو أن جبهة النصرة التي قالت لهيئة العلماء انها تختطف ثلاثة عسكريين من الجيش تحتفظ فعلاً بثلاثة فقط وتوزع الخمسة الباقين على فصائل أخرى قريبة منها. يبقى مصير الجندي علي قاسم العلي مجهولا حتى الساعة، اذ انه ظهر في بداية المعارك من ضمن صورة عرضت ستة اسرى سالمين لدى «داعش»، لكنه لم يظهر في أي شريط فيديو منذ حينه وهو ما يرجح ان تكون جثته هي الموجودة لدى «داعش»، علما ان هناك اكثر من علامة استفهام حول الموضوع اذ انه ظهر في الصورة معافى فكيف استشهد بالتالي؟ هل في كمين نصبته «النصرة»؟ ام انه تمت تصفيته؟
واذ أبدى أهالي العسكريين رغبتهم في عودة «هيئة العلماء المسلمين» مجددا على خط الوساطة، اكدت مصادر الاخيرة ان الامر غير وارد، لانها لن تقبل الاستمرار في مسعى لن تكون نتائجه ايجابية في الظروف الحالية، اذ ان عزوفها جاء نتيجة تداخل الخطوط الخارجية والداخلية، وسط تضارب المصالح بين مؤيد لاستمرارها في وساطتها ومن يسعى لانهاء هذا الدور، وهو ما تلقت اشارات واضحة من الجانبين بان عليها التوقف عما تقوم به.
الديار