دوللي بشعلاني
يواصل تنظيم «داعش» تهديداته للبنان حتى بعد الإنتصار الذي حقّقه الجيش اللبناني في معركة عرسال عندما تمكّن من إجبار مسلّحيه على التراجع من داخل البلدة البقاعية وجرودها، محكماً سيطرته عليها. لكنّ فرحة الجيش لم تكتمل عندما تمكّن الإرهابيون من خطف عدد من عناصر الأجهزة الأمنية، ولا تزال المفاوضات جارية مع الخاطفين من أجل إطلاق سراحهم واستعادتهم أحياء. وطال تهديد «داعش» الأخير «حزب الله» الذي اتهمه في بيان له بأنّه يُعرقل المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، وأنّه سيقتل جندياً لبنانياً كلّ ثلاثة أيام في حال استمر الحزب بالعرقلة.
وفي واقع الحال، فإنّ مثل هذا التهديد، بحسب مصدر مطلع على الملف، لا يطال «حزب الله» فعلياً في المرحلة الراهنة، بل الجيش اللبناني لأنّه سيدفع الثمن من عناصره في حال نفّذ «داعش» تهديداته. أمّا الحزب فلا يقوم بما اتهمه به التنظيم، انطلاقاً من أنّه لا يعترف أساساً بمبدأ التفاوض معه للإفراج عن الجنود المخطوفين مقابل إطلاق بعض أسراه لدى الجيش اللبناني، بل يُحبّذ الحسم الأمني لأنّ أي مجموعة تكفيرية لا يمكن إجراء مفاوضات معها في أي موضوع كان، خصوصاً وأنّ مثل هذا الأمر «يُشرعن» وجودها، الأمر الذي لا يقبل به الحزب، لا من قريب ولا من بعيد. كما أنّ التنظيم أعطى الحكومة اللبنانية مهلة 24 ساعة للتنفيذ، لأنّها وافقت في الأساس على مبدأ التفاوض معه، وإلاّ لما كان تجرّأ على ذلك.
وذكّر المصدر نفسه بموقف الحكومة اللبنانية من موضوع إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، الذي لا يزال يتأرجح حتى الساعة، لأنّ الأمر يتطلّب التفاوض مع طرفي النزاع في سوريا من أجل تحقيق هذه العودة. فإذا جرى التفاهم مع الحكومة السورية، لا بدّ في المقابل من الإتفاق مع المجموعات المعارضة التي تسيطر على بعض المناطق في البلاد، ما جمّد عملية إعادة قسم كبير منهم، خصوصاً وأنّ فتح باب الحوار مع هذه الجهة يفرض التحاور مع الجهة الأخرى، وبالتالي «يُشرعن» وجود المعارضة السورية.
وأشار الى أنّه يصعب تنفيذ مثل هذه العملية التي تقوم على تبادل بين عناصر الجيش وبين موقوفين إسلاميين بتهم إرهابية وبإخلال الأمن في البلاد، خصوصاً وأنّ توقيفهم في سجن روميه خلق مشاكل عدّة للدولة والأجهزة الأمنية. فما الذي يضمن عودتهم الى بلدانهم وعدم المجيء مجدّداً الى لبنان في حال تمّت عملية التبادل؟!
في حين أنّ ما يهمّ لبنان، على ما أضاف المصدر، هو أن يزيح أعباء هذا النزوح عن كاهله من خلال إجراءات عملية اتخذتها الحكومة اللبنانية أخيراً تتعلّق بالتدقيق بأوراق العابرين عند الحدود اللبنانية- السورية، والتفريق بين النازحين السوريين الفارّين من المعارك الدائرة في مناطقهم، وبين «السيّاح» الذين يمضون أيام الأسبوع كافة في لبنان ويعودون الى سوريا في «الويك- أند»، فضلاً عن أولئك الذين يُشكّلون الخطر الأكبر ويدخلون في خانة الإرهابيين، أو المعكّرين لصفو الأمن في لبنان، الى جانب الذين يقتلون المواطنين اللبنانيين الأبرياء بدافع السرقة. ولا يبقى أمام الحكومة سوى تنفيذ هذه الإجراءات بهدف التقليص من عدد النازحين السوريين الى لبنان، وإعادة أكبر عدد ممكن منهم الى بلدهم في أسرع وقت ممكن.
فالإنتصار الذي حقّقه الجيش اللبناني في معركة عرسال، وقبلها في أحداث عبرا، كما في مخيم نهر البارد، وإن بشكل مختلف، لا علاقة لـ «حزب الله» به لكي يُتهم اليوم بعرقلة المفاوضات، يقول المصدر، لا سيما وأنّ أكثر ما يتمنّاه الحزب هو عودة الجنود المخطوفين بخير وسلامة الى ذويهم. ولهذا يجب استكمال المفاوضات والاتصالات على أعلى المستويات لردع تنظيم «داعش» في القلمون السورية من تنفيذ تهديده، وإيجاد حلّ سريع لهذه المسألة.
وبرأيه، أنّه لا يمكن أن تستمر الحكومة على التعاطي نفسه مع موضوع مكافحة الإرهاب لا سيما بعد تقديم السعودية هبة المليار دولار لمساعدة الجيش اللبناني وتعزيز قدراته، علماً أنّ هذه الهبة المسمّاة «فورية» تحتاج الى إجراءات عملية من تقديم لوائح بالحاجيات والموافقة عليها ومن ثمّ تأمينها من الخارج. الأمر الذي من شأنه أن يجعل الجيش قادراً على المواجهة أكثر من السابق. علماً أنّه تمكّن من التصرّف سريعاً في معركة عرسال التي أتت مباغتة له نوعاً ما، وقام بما يكفي لضبط الوضع في البلدة والجوار. ولهذا يجب الحفاظ على ما أنجزه الجيش ومتابعة تنظيف البلدة وجرودها من المسلّحين.
ويقول المصدر بأنّه يجب تحريك موضوع الهبة السعودية السابقة البالغة قيمتها ثلاثة مليارات دولار، والتي لم يصل منها أي شيء للجيش بعد، نظراً لتقاذف المسؤوليات وحصول تلكؤ ما في هذا الموضوع، ما اضطر السعودية الى إرسال الهبة الجديدة مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ليكون هناك جهة واحدة مسؤولة عن تسليمها للجيش.
وشدّد المصدر نفسه على أنّ تقوية الجيش ودعمه بالعتاد المطلوب من شأنه تعزيز قوّته في الحفاظ على سيادة لبنان. فأفضل ردّ على عدوان إسرائيل في مراحل سابقة، كان ما حصل في حرب تموز 2006، وما يحدث اليوم في غزّة في فلسطين. ولفت الى أنّ لبنان لا يتهرّب من مسؤوليته في عملية ضبط موضوع إطلاق الصواريخ من الجنوب. فما يحصل يخدم الجانب الإسرائيلي، لكن المسؤولين اللبنانيين يعملون من أجل عدم تكرار هذا الأمر.
جريدة الديار