مع طلوع شمس نهار اليوم الأول لوقف إطلاق النار بقطاع غزة أستأنف الغزيون حياتهم الاعتيادية، ودبت الحركة في الشوارع والأسواق، بينما فتحت المحال التجارية أبوابها، وبدأت ملامح الحياة تعود تدريجيا إلى القطاع.
فقد عادت الحياة تدريجيا إلى قطاع غزة عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مساء الثلاثاء بعد عدوان إسرائيلي استمر 51 يوما، وعلى الرغم من أن الاتفاق ينص على فتح المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة للتمكين الفوري لدخول المعونات والإغاثات، فإن عمل المعابر ما زال في أضيق الحدود.
وبدا القطاع امس مختلفا بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من العدوان الإسرائيلي الذي خلف نحو 2200 شهيد وقرابة 11 ألف جريح بالإضافة إلى تدمير كبير بالبنية التحتية وبآلاف المباني. فقد شهدت شوارع وأسواق قطاع غزة حركة نشطة رغم التفاوت في التفاؤل لدى المواطنين من وفاء الاحتلال الإسرائيلي والتزامه بتطبيق الهدنة المتفق عليها ودخلت حيز التنفيذ مساء أمس.
وبالنسبة للمعابر بين إسرائيل وقطاع غزة التي نص اتفاق وقف إطلاق النار على فتحها، وبينت المعطيات على الجانب الإسرائيلي من معبر كرم أبو سالم إلياس كرام، أن الحياة عادت نوعا ما إلى طبيعتها تدريجيا في البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
في المقابل فان سكان البلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة الذين تركوها إبان العدوان الإسرائيلي على غزة هربا من قذائف وصواريخ المقاومة الفلسطينية لم يعودوا في معظمهم لبيوتهم، وهو ما عكس تشككا لديهم بالحالة الأمنية لهذه البلدات وعدم وثوقهم بقادتهم السياسيين والعسكريين الذين طالبوهم بالعودة.
أما بالنسبة لمعبر بيت حنون في شمال قطاع غزة، فأن ظروف المعبر لم تختلف عن الأيام السابقة.
وعند معبر بيت حانون المخصص في الأصل لسفر بعض الفئات وهم العاملون في المؤسسات الدولية والوكالات الإغاثية الدولية وبعض الصحفيين الأجانب وبعض التحويلات المرضية من قطاع غزة إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس المحتلة والمناطق المحتلة عام 1948، كما يسمح لبعض التجار باستخدام هذا المعبر ما زال الوضع على حاله .
من جهته قال مدير معبر بيت حانون شادي شبات إن اتفاق وقف إطلاق النار انعكس من خلال تحول الأمور في المعبر إلى وضع شبه طبيعي، وذلك بعد أن أعلنته إسرائيل خلال الحرب منطقة عسكرية فأصاب الشلل حركة المسافرين.وأضاف أن هناك صعوبات في تسهيل معاملات العابرين عبر المعبر نتيجة العدوان الأخير بعد أن دُمرت المعدات والبنية التحتية التي تتيح التعامل الإلكتروني والربط مع باقي المعابر.
ومن الناحية الجنوبية لقطاع غزة حيث معبر رفح الذي يربط القطاع بمصر، ما زال المعبر يعمل بنفس الوتيرة التي كان يعمل بها طوال فترة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث إن السماح بالدخول والخروج للأفراد محدود جدا، في حين تمنع البضائع من العبور.وبحسب المسؤولين الفلسطينيين في المعبر فإنه لم يطرأ أي تغيير حتى الآن على آلية عمل المعبر بعد اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية مصرية.
في السياسة هنأ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية، شعب غزة، معتبرا «انهم لم يحتفلوا في عيد الفطر لكنهم اليوم يحتفلون بعيد النصر».وأشار هنية في مهرجان حاشد احتفالا بالنصر، الى انه «كما كان القائد أحمد الجعبري رمز حجارة السجيل كان محمد أبو شمالة ورائد العطار والشهداء رموز العصف المأكول»، معتبرا ان « هذا الإنتصار جاء بعد حرب غير مسبوقة مع اسرائيل ومقاومة باسلة وهو أبعد من حدود المكان والزمان». ولفت، الى ان «العالم شاهد على هذا التطور في المقاومة على كل المستويات في البر والبحر والجو»، موضحا ان «هذا الإنتصار جاء نتيجة عمل جاد خلال سنوات طويلة، وليس فقط لمعركة في غزة، بل لمعركة التحرير الشامل لفلسطين والأقصى»، كاشفا ان «تراكم الجهود يهدف لمعركة تحرير فلسطين والقدس». وشدد هنية، على ان «المليون والثمانمئة ألف فلسطيني في غزة كانوا أبطالا طوال فترة العدوان الاسرائيلي»، مؤكدا ان «هذه المعركة اعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية واحيت المشاعر في الامة العربية والاسلامية».
من جهته قال الأمين العام لـحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح إن أهم نتائج معركة غزة أنها «حسمت جدل الخيارات»، معتبرا أنه «لا مكان للرهان على التسوية والمفاوضات، فـاتفاق أوسلو ومسار المفاوضات دفنتهما الطائرات الإسرائيلية في قطاع غزة»، وأضاف أن العدو «لا يفهم سوى لغة النار والقوة».
ودعا شلح -في مؤتمر صحفي بالعاصمة اللبنانية بيروت عقب ساعات من بدء سريان وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية بغزة وإسرائيل- جميع الأطراف إلى «احتضان المقاومة كما احتضنها الشعب الفلسطيني»، محذراً من أن الذي يدير ظهره لهذه المقاومة إنما يديره للشعب.
وأضاف الأمين العام لحركة الجهاد أن «الشعب الفلسطيني الصامد في غزة يستحق التحية على صبره الأسطوري»، وأن المقاومة «صنعت المعجزة وأذهلت العالم وأفقدت العدو صبره»، وأشار إلى أنه رغم تباين الميزان العسكري بين جيش هو الأقوى في المنطقة وشعب أعزل يعاني الحصار منذ سنوات، فإن المقاومة «عدلت الميزان بالإرادة والتصميم والمثابرة، فأعدت العدة لتقض مضجع العدو إلى آخر لحظة من لحظات المعركة».
ونبه شلح إلى أنه بعد الاحتفال بانتصار غزة على قوات الاحتلال ستعمد بعض الجهات إلى التشكيك في إنجازات الشعب الفلسطيني ومقاومته، مشددا على أن المقاومة تتحدث عن تحقيقها الانتصار بكل تواضع ومعرفة قدراتها وقدرات الاحتلال. وأضاف أنه على من يشكك أن يصغي للإعلام الإسرائيلي ولاستطلاعات الرأي في إسرائيل لمعرفة السبب وراء تراجع التأييد الكبير في الشارع الإسرائيلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أعلى مستوياته في بداية العدوان إلى أدناها أمس الاثنين.
في الجانب الاسرائيلي اتهم وزراء ونواب إسرائيليون حاليون وسابقون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالإخفاق في إدارة الحرب على قطاع غزة، وأثار بعضهم احتمال انهيار الائتلاف الحكومي.
وقال وزير السياحة الحالي عوزي لانداو إن إسرائيل قد لا تحصل بعد الحرب التي استمرت خمسين يوما على الهدوء الذي كانت تريده، وإنما فقط على وعد بالهدوء، في إشارة إلى الهدنة غير المحددة زمنيا. وأضاف لاندوا أن «الشعور صعب للغاية»، وتساءل عن ما أنجزته إسرائيل من الحرب التي قتل فيه سبعون إسرائيليا، أغلبيتهم الساحقة جنود وضباط.
وأبلغ نتنياهو أعضاء المجلس الأمني المصغر الثمانية باتفاق وقف إطلاق النار -الذي توسطت فيه مصر- دون أن يعرضه للتصويت في المجلس. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن نتنياهو «خطف» قرار وقف النار حينما رفض عرضه للتصويت في المجلس الأمني.
وقبل إعلان الهدنة كان هناك وزراء في حكومة نتنياهو على غرار وزير الاقتصاد نفتالي بينيت (زعيم حزب البيت اليهودي) يدفعون باتجاه احتلال قطاع غزة.
من جهته، انتقد عضو الكنيست ووزير الأمن السابق شاؤول موفاز وقف الحرب بهذه الطريقة، قائلا «ليس هكذا ينهون المعارك».
ورأت النائبة عن حزب البيت اليهودي إيليت شاكيد أن القيادة السياسية تلعثمت وذهبت إلى وقف إطلاق النار بدلا من «حسم» المعركة من خلال احتلال قطاع غزة بالكامل.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد التزمت الصمت ساعات طويلة ورفضت التعليق على الهدنة، قبل أن يعلن متحدث باسم نتنياهو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) «خسرت عسكريا وسياسيا»، على حد تعبيره.
وفي حين قالت القناة الثانية الإسرائيلية إن مستقبل نتنياهو السياسي انتهى، أشارت بعض الأحزاب الإسرائيلية إلى أنها قد تتخلى عن رئيس الوزراء الحالي. وقال إيلي يشاي وزير الداخلية السابق والنائب عن حزب «شاس» إن حزبه لن يكون طوق نجاة لهذا الائتلاف «المتعثر»، مضيفا أن نهاية هذا الائتلاف تلوح في الأفق.
وفي هذا السياق تحديدا، قال يعقوب بيري وزير العلوم ورئيس الشاباك السابق إنه قد يتم اللجوء إلى انتخابات مبكرة إن لم يتم التوجه نحو مسار سياسي جدي, وهو الاحتمال نفسه الذي أثاره النائب إلعيزر شتيرن عن كتلة «هتنوعا» برئاسة وزيرة العدل الحالية تسيبي ليفني، ورئيس كتلة «يوجد مستقبل» عوفر شيلح.
يشار إلى أن نتنياهو يواجه تحقيقا محتملا في الحرب على غزة، وهو ما قد يطيح بحكومته في حال إدانته.
في ردود الفعل الدولية ،رحبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة التي تعرضت لعدوان إسرائيلي لأكثر من خمسين يوما، وأعربتا عن أملهما أن يكون الاتفاق «دائما»، وأن يمهد لتسوية سياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل على المدى البعيد.
من جانبه، رحب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالاتفاق ، معربا عن أمله أن يكون ثابتا ويسمح بالتفكير في تسوية على المدى البعيد، وفق تعبيره. وقال بيان للخارجية الأميركية إن واشنطن «تدعم بقوة» الاتفاق، داعيا «جميع الأطراف إلى التقيد ببنوده».وبعد أن أشاد بدور الوساطة المصرية، والتعاون «الوثيق» بين واشنطن والقاهرة والسلطة الوطنية الفلسطينية، قال كيري «نقترب من المرحلة التالية بعيون مفتوحة»، داعيا إلى حل «طويل الأمد لغزة».وأشار الوزير الأميركي إلى ضرورة التمييز بين (حركة المقاومة الإسلامية) «حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى»، و«السكان المدنيين» لغزة.
وزارة الخارجية الايرانية أشارت الى أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني»، مضيفة أن «انتصار المقاومة مقدمة وبشرى للنصر الأكبر بتحرير الأراضي المحتلة وفي مقدمها القدس الشريف»، لافتة الى أن «ايران ماضية في تقديم الدعم الكامل للمقاومة والشعب الفلسطيني».
كما أعلنت دولة قطر استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، ورحبت بالهدنة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
وكذلك رحبت تركيا بالاتفاق.
على صعيد آخر بدأ الجيش الاسرائيلي بتخفيض عديد قواته في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، فسحب عددا من الدبابات والمعدات الهندسية الاخرى المستخدمة في العمليات البرية.ومع ذلك، يتم الحفاظ على مستوى حالة التأهب القصوى في شعبة الجيش المخصصة لقطاع غزة.