يُخطئ من يَظنّ أنّ هزيمة الإسلاميّين الأصوليّين الإرهابيّين الذين يَصفُون أنفسهم بالجهاديّين يُمكن أن تكون على يد دُول أو منظّمات مسيحية الطابع أو شيعية المذهب. فهذه الفئة من المُتشدّدين الإسلاميّين، على غرار تنظيم “داعش” مثلاً، تتغذّى من التعصّب الديني ومن التباين الطائفي ومن الخلافات المذهبيّة، كما تدلّ كل الوقائع والمعطيات.
من هنا، إنّ شنّ هجمات على التنظيم الإرهابي من قبل الدول الغربيّة، سيُسهّل عليه تجنيد المُقاتلين، تحت راية “مُقاتلة الصَليبيّين”، باعتبار أنّ المقاتلين التابعين للتنظيم يَسمعون فتاوى الشيوخ المُتَشدّدين الذين يُديرون شؤون التنظيم ويَغسلون عُقول أتباعه بالتحريض الديني والمذهبي، ويتحدّثون عن “غزوات صليبيّة” جديدة، ربّما لأنّ أفكارهم وعقائدهم لا تزال تعيش مرحلة القرون الوسطى. وبالتالي، لا يمكن لغارات تُنفّذها دول مثل أميركا أو كندا أو فرنسا إلا أن تزيد من عدد “الجهاديّين”، أو للدقّة الإرهابيّين في العالم. وفي السياق عينه، إنّ شن هجمات على التنظيم الإسلامي من قبل الجيش العراقي المحسوب بقيادته وكبار ضبّاطه على المذهب الشيعي، أو من قبل الجيش السوري المحسوب بقيادته وكبار ضبّاطه على المذهب العلوي، أو من “حزب الله” المعروف بإنتماء أغلبيّة مُقاتليه (باستثناء “سرايا المقاومة”) إلى المذهب الشيعي، لا يزيد تنظيم “داعش” إلا قوّة، نتيجة لعبه على وتر الخلافات المذهبيّة، وبفعل حديث شيوخه وزعمائه عن “حرب شيعيّة على أهل السُنّة”. وعبر هذا التحريض الديني والمذهبي يتمّ تأمين السيولة النقديّة من الشخصيّات الإسلاميّة المُتموّلة، وباعتماد الحُجج نفسها يتمّ تطويع “الجهاديّين” في البيئة الإسلامية المتشدّدة. فالعامل الطائفي–المذهبي عند هؤلاء، يتقدّم على كل العوامل الأخرى أكانت عقائديّة أم سياسية أو حتى إقتصادية وإجتماعيّة.
وبالعودة مثلاً إلى الهجوم الأميركي–الغربي على تنظيم “القاعدة” الإرهابي والذي إنطلق غداة هجمات 11 أيلول 2001، فهو بدأ بملاحقة وبمحاصرة مُموّليه، مروراً بقتل وإغتيال وباعتقال قادته بعمليات خاصة وبضربات جويّة من الطائرات من دون طيّار، وصولاً إلى قتل زعيمه أسامة بن لادن في مخبأه في باكستان في 2 أيّار 2011. لكنّ النتائج جاءت معاكسة تماماً للأهداف المرسومة، فصحيح أنّ تنظيم “القاعدة” تراجع وكاد يبلغ مرحلة الإضمحلال، لكنّ التنظيمات الإرهابية التي “وُلدت من رحمه” تكاثرت ونمت في العديد من الدول مثل أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا واليمن والسودان ومصر ونيجيريا وليبيريا على سبيل المثال لا الحصر.
واليوم، ومع ضرب تنظيم “داعش” وتنظيم “جبهة النصرة”، يُمكن أن تتراجع قوّة كل من هذين التنظيمين، ويمكن أن يخسرا الكثير من الأراضي التي سيطرا عليها في الأشهر القليلة الماضية، والأكيد أنّ تنظيم “داعش” لن يُحقّق دولته الإسلامية المزعومة(1)، لكنّ ذلك لا يعني أبداً طيّ صفحة “الإسلاميّين الأصوليّين” الذين لا يتردّدون بقتل الآخرين، كلّ الآخرين، بحجّة أنّهم “صليبيّون” أو “روافض”، علماً أنّ شيوخ “داعش” يُكفّرون أيضاً السُنّة غير الموالين لهم، ولا يعتبرون باقي المذاهب الإسلامية، إسلامية في الأساس!
وأمام هذه المعضلة، حتماً المعركة ستطول كثيراً، لأنّ وتيرة عمليّات التجنيد لصالح القوى الإسلامية المُتَعصّبة والإرهابية، تتفوّق على وتيرة عمليّات القتل والتصفية التي تقوم بها كل من “القوات الحليفة” والجيشين العراقي والسوري و”حزب الله”، عبر الغارات الجويّة والقصف والهجمات الميدانية. وما لم نشهد تحرّكاً ميدانياً لجيش إسلامي أو لجيوش إسلاميّة ضد هؤلاء “الإرهابيّين”، تحت ستار “الإسلام السنّي المعتدل” ضد “الإسلام السُنّي المُتطرّف”، لا أمل بقضاء وشيك على هذه الظاهرة. فكسر إرادة بيئة حاضنة مُتغلغلة في دول يسكنها أكثر من مليار وثلاثمئة ألف سنّي لا يمكن أن يتم على يد غير المسلمين السنّة، لأنّ القتال السنّي–السنّي هو وحده الذي لا يُشعر هذه البيئة بالهزيمة، ولا يُنمّي الحقد والتطرّف في نفوس أبنائها، ولا يدفعهم إلى الإنتقام عبر الإنخراط بالجماعات المتشدّدة المسلّحة. وبالتالي إنّ الحلّ لهذه الظاهرة هو بيد الدول الإسلامية والمُسلمين أنفسهم وليس بيد أيّ طرف آخر.
(1) نشرت “داعش” خريطة مُحدّثة لدولة الخلافة الإسلاميّة المَزعومة والتي ستُقسّم لولايات عدّة لكل منها إمارات عدّة، تضم كلاً من “ولاية العراق” (حيث تُسيطر حالياً على ست محافظات) وتهدف إلى توسيع سيطرتها إلى باقي أجزاء العراق والكويت، و”ولاية الشام” (وتعني أجزاء واسعة من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وسيناء)، و”ولاية الحجاز” (تضم السعودية والبحرين وقطر ودولة الإمارات وسلطنة عُمان)، و”ولاية خرسان” (تضم إيران وأفغانستان وأوزبكستان)، إضافة إلى اليمن والمغرب والأناضول (تركيا)، والأندلس (إسبانيا).