د.وسام حمادة للديمقراطية: الأنسنة حالة عابرة للأقاليم والطوائف والجغرافيا…وتحية للإعلام الملتزم الذي يترك بصمة بيضاء من المحيط إلى الخليج

لا تعليق
آخر الأخبارمقابلات
3
0
DSCF2688

إعداد وحوار: منى العريضي

مبدعٌ من بلادي، تأسرك الحواس حين تحدّثه في محاولة حصر إمكانياته الفكرية وثقافته الواسعة ذات الخلفية النضالية على كافة الجبهات. عبثاً حاول القلم، الوتر، الشاشة، المذياع، المسرح وحتى الطب أن يحظى بفرصة الفرار من معقل طموحاته وهو في ربيع العمر. لم يمنعه شيبه الوسيم من حفظ وصايا الله عن ظهر قلب، حتى قبل أن يتصفّح الكتب السماوية. فالدين الذي يتبعه هو حرية الإنسان، وطقوسه يمارسها عبر حماية وتبني قضايا الضعفاء في كل أقطار العالم.

حمل الجنوب في جيناته واكتسب الحرية من جينات المقاومة بكل أشكالها، وبات يشكل حالة استثنائية وسط عالم أتقن لغة الصمت حين كان يجب أن تعلوا أصواتهم. فكان المبشّر لكلمة وصوت الحق لنصرة الأرض والوطن والقضية. غنّى القدس وكوبا وقانا،حلّل في السياسة، وحاور أهل الثقافة والفن والسياسة بحوارات مشروطة بسياسة اللاتحريض.

وسام حمادة طبيب رفض استخدام المخدر “البنج” في معالجة القضية واصفاً اللحن، القلم، الكلمة والإنشودة الهادفة دواءً يوازي طلقات الرصاص في قلب العدو.

DSCF2685

– وسام حمادة إبن مارون الراس، من أرض الجنوب الخصبة المعطاء ما هي الرسالة التي تحملها مع كل من هذه الشخصيات، الطبيب، الفنان، الإعلامي والمحلل السياسي..؟

بداية إسمحي لي أن أنّوه بمجلة الديمقراطية التي تسعى في هذا الزمن الصعب أن تسلط الضوء على مواضيع ونقاط تركت بصمة بيضاء وسط هذه اللوحة السوداء من المحيط إلى الخليج..
أعتقد اني منذ فترة طويلة قد تجاوزت جنوبيتي بحيث نقلتُ هذا الجنوب الى كل مساحات الأنسنة. نعم، أنتمي جغرافياً لمنطقة الجنوب بحكم الموروث، انما على المستوى الإنساني أكتشفت ان الكرة الأرضية كلها.. هي الجنوب. لذلك لا أستطيع أن أفرّق بحركات الإنسانية بين منطقة وأخرى. إن القضايا التي تابعتها وناضلت من أجلها ولا أزال مصرّاً ، فلو كانت الأزمة في آخر أصقاع الأرض حيث دمعة طفل أو حرقة أم بغض النظر عن لون البشرة أو العرق أو الدين واللغة سأناضل من أجلهم، فالصفات الإنسانية هي الحالة المشتركة بين كل الشعوب.
بالطبع أعتزّ بانتمائي الى نقطة جغرافية كان لها نقاط بيضاء في عالم التراث الإنساني والمقاوم الذي ساهم في ترك بصمات جميلة في عالم الأنسنة الذي يعنيني.

– هذا يعني انك قد تكون على ما أنت عليه حتى لو لم تكن إبن الجنوب لا سيما يقال أن الإنسان إبن بيئته، الا تعتقد ان البيئة التي تربيت فيها لها انعكاساتها على خياراتك؟

BILA9996

أبداً، أعتقد أن النظام التربوي الذي عشته هو عبارة عن أسرة كانت عابرة للأقاليم والطوائف والجغرافيا، فلو كنت من الصين كان ليكون لدي الشعور ذاته حيال الإنسان . فالمسألة ليست مرتبطة بمكان ولادة الإنسان، انما كيف يترجم الواقع الذي يولد فيه. فأنا، ضمن مجموعة نسعى جاهدين لإضافة الى هذه المشهدية السريالية الدرامية على كل الأصعدة والوقوف بوجه ضرب أنسنة الإنسان حيث لا أحد يسلم منها. بهذا المناخ أستطيع أن أعبّر عن جنوبيتي .. نعم أنا من قرية صغيرة من حيث المساحة، ولكن قيمتها تكمن في ما قدمته عبر التاريخ من بطولات مشرّفة لا سيما خلال حقبة اجتياح واحتلال الجنوب. أنا من مارون الراس، نتنفّس الهواء الآتي من جبل الشيخ ومزارعي التبغ يصحون على صياح الديك من فلسطين. فأنا لي الشرف أن أتنفس هذين المناخين، ولا شك أن الأحداث التي عاشتها مارون الراس دخلت في اللاوعي كالنعاس، وأن نصبح مقاومين أو ثائرين -بغض النظر عن المصطلح- أمرٌ بديهي، نحن الرافضين للواقع الذي فُرض على الأمة العربية، ألا وهو الصراع العربي الإسرائيلي.

– ولكن قبل سنوات ، استفزتك القصيدة التي كتبها الشاعر الراحل موسى شعيب وفي مطلعها: جنوبي أنا… والقصر قصر البيك من عرقي
ينام البيك مرتاحاً على حُرقي
لأجل سواد عينيه
ذبحت أخي…قتلت أبي
ويوم صحوت كان البيك.. تمثالاً من الخشب!

بالفعل، هذه القصيدة استفزتني منذ زمن بعيد ومع الأسف البيك لم يتغير. قد يكون تغير الإسم، الشكل واللهجة ولكن الفكر الإقطاعي و”البكواتي” والإستغلالي لا يزال يحكم ضمن الموروث. ومع الأسف ها نحن نلقى نتائجه في الشارع سواء في لبنان أو العالم العربي..انا هنا اتحدث عن الفكرة بشكل عام بعيداً عن الشخصنة.
هل لا يزال البيك تمثالاً من الخشب؟
لا زلت أرى أن البيك لم يتغير ولا يزال تمثالاً من خشب، رغم كل ما نقدم له لا يزال مصراً على عدم تقديم واجباته تجاهنا. والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في البيك وحده انما هناك حالة عدم وعي وإدراك كافيين لما يجري من حولنا. فكيف نتوقع من السلطوي الجشع أن يتغيّر ويغيّر. لذلك هناك بعض المفاهيم نحاول التركيز عليها ومنها محاولة التنبيه للذاكرة لأن للأسف نحن نملك “ذاكرة سمك” بشكل عام، وجزء من أزمة هذه الأمة أنها لا تملك ذاكرة حقيقية. وان ما يُراد لها أن تتذكره هو صنيعة لجهات تستفيد من هذه الذاكرة على المستوى الأيديولوجي او الفقهي والثقافي أو الإجتماعي الموجّه، فضلاً عن عولمة الثقافة والإعلام بحيث أصبحت المهمة أصعب ولكن ما علينا سوى المحاولة.

p07_20080913_pic1.full[1]

غنّيت الثورة، كوبا، تشي غيفارا، الأسير، بيروت القدس وما الى هناك .. من هذا المنطلق وتحديداً من الشارع اللبناني هل نحن أمام ثورة حقيقية في ظل ما يجري ضمن الحراك الشعبي الأخير وهل هناك نيّة أن تغني الحراك الشبابي اللبناني؟

لكل مرحلة لها تشي غيفارا الخاص بها وغاندي وعبد الناصر والسيد حسن نصرالله وسواهم من الرموز القيادية.. فلا شيء مستحيل من خلق شبيه لهم في هذه المرحلة. لا شك أن مثل تلك الشخصيات اعدادها قليلة من حيث الكاريزما والحضور وصفات الشخصية القيادية، فهم عملة نادرة، ومع ذلك لا أستطيع أن أدّعي أنني من المنخرطين في الحراك الشعبي الذي يجري اليوم لأنه غير منظّم حتى الآن. ولكن أنا مع أي حراك يترك بصمة ويُسقط حجرة صغيرة في هذه المياه الراكدة الآثمة، أنا أعتبره إنجاز وليس شرط أن تفوز الثورة من أول ضربة كف في ظل هذه المنظومة. فالمنظومة اللبنانية هي عصيّة عن التغيير الديمقراطي على الرغم انني كمستقل طبعاً أؤمن بالديمقراطية، ولكن لا أرى التغيير جائز في ظل نظام قائم على طريقة النظام اللبناني الذي يملك 18 نظام داخل النظام الواحد وكل نظام من هذه 18 له رؤيته الخاصة وأحياءه وشوارعه وطموحاته يعززه حشو الأدمغة والتحريض كل حسب ما يناسب تطلعاته، على الرغم أننا نزلنا الى الشارع عام 2011 للمطالبة تماماً بما يطالب به الشعب اليوم.

المضحك المبكي في هذا الأمر، أن جميع السياسيين يرون أن علة هذا النظام يكمن في القانون الانتخابي الرجعي المتخلّف، وانا أؤيدهم بالطبع ولحل كل المشاكل التي يعاني منها المواطن اللبناني يجب إلغاء هذا القانون الذي لم يسبب الا الحروب. وغالباً ما أدعو الشباب اليوم ودائماً أن يحملوا الشعارات التي تعنيهم ولكن لا بد أن نرفع شعاراً واحداً أيضاً هو إسقاط هذا النظام الطائفي المُقنّع، الذي بات الجميع اليوم يعترف بأنه قانون مجحف وأدخل البلد في دوامة طائفية وحرب شرسة كلفتنا الكثير الكثير.

الحراك اليوم يحاول أن يدوّي بصرخة وتأثير واضحين، وقد بدت نتائجه واضحة على وجوه رجالات السياسة الذين أدركوا خطورة الوضع والسبب هو خوفهم على قطعة “الجبنة” التي أصبحت مهدّدة… وما يحزنني في هذا الشان أن هذا البلد، قد جربوا فيه كل شيء، القتل المتعمّد عبر الحرب الداخلية (حرب اللبنانيين على اللبنانيين) ولا أحد يسّوق لحرب الآخرين على أرضنا لأن من قتل اللبنانيين هم اللبنانيون أنفسهم، جربوا فيهم المياه الملوثة وحلم الكهرباء 24 ساعة، الفساد الإداري الرشاوى والواسطة.. والبدعة الأخيرة كانت بوضع النفايات على أنوف المواطنين في الشوارع وتحت نوافذهم، ومع ذلك قلة قليلة من اشتمّ رائحة النفايات.كل هذه التجارب يتعايش معها الشعب اللبناني منذ سنوات عديدة وما زال يصّر على أنه الشعب العظيم..وهنا أسأل: أين تكمن العظمة في ظل كل هذه التجارب عليك؟ إن عظمة هذا الشعب تكمن في الخارج فقط مع الأسف.

إذاً هناك إشكالية بمسألة الوعي لدى الناس ولذلك لا حل سوى بإسقاط هذا النظام وسحب البساط من تحت كل محرض طائفي، في الدين او في السياسة. المؤلم أكثر حين يعتلون المنابر لينادون بإسقاط هذا النظام الطائفي باعتباره السبب الأول بزعزعة هذا البلد مستخفّين بعقولنا بمعرفة حقيقة تمسّكهم بمثل هكذا نظام، يعزّز امكانياتهم ووجودهم وفي بسط سلطتهم على الشعب. بالعودة الى الحراك، فلا شك أن هناك دوماً ذرة أمل بوجود عنصر الشباب المؤمن بقضيته والذين قاموا بمواجهة المسؤولين في عقر دارهم أثناء توجّههم نحو ما يسمونها طاولة الحوار بحيث وصفوهم بالجرذان، وما كان على المسؤول سوى الفرار الى داخل المبنى من الشباب الغاضب. هناك جزء من هذا الحراك رغم كل الشوائب قد تحقّق رغم ان هذا الحراك غير منظم ولا يملك قائداً ولا ورقة عمل أو مخطط لتغيير النظام أو الإنقلاب عليه. ومع ذلك وعلى الرغم من تواضع هذا الحراك،لم تستطع هذه الطبقة السياسية تحمّله.

20150904_110050

– بالعودة الى الشق الفني، في أرشيف د. وسام حمادة فاقت أعمالك الفنية الـ 500 أغنية فضلاً عن الألحان والمقدمات الموسيقية للمسلسلات وأعمال مسرحية افتتحها رسميين على مستوى الرئاسة الثانية ومع ذلك تقول أن الفن مجرد هواية بالنسبة لك..أين أنت اليوم كفنان ملتزم أو الفنان الإرهابي كما أُطلق عليك من تسميات؟

كان من دواعي سروري عندما أطلق علي أحد الإعلاميين لقب صاحب العود الإرهابي وذلك بعد أحداث 11 ايلول. حين لم يكن أحد يجرؤ على التحدث بموضوع الإرهاب وذلك جراء المضايقات التي لاحقت العرب من المنظومة الغربية والأميركيين تحديداً اينما كانوا واتهامهم بالإرهاب. فقد غنيت آنذاك أغنية من كلمات شريك العمر في الأغنية الوطنية حسين حمادة تقول ” إذا العدو داس ترابي.. اغتصب أرضي..سرق كتابي.. سأكتب بدمي أني إرهابي”

فلذلك أنا وعبر مجلتكم أقول ” إذا كانت مقاومة مغتصبي الأرض ومقاومة الإسرائيلي ومقاومة الحركات التكفيرية ومنعهم من سرقة بيتي وإرثي وكتبي ومن اعتراض النفس المقاوم الذي أتنشقه، هو الإرهاب.. إذاً أنا ومن مجلتكم الكريمة أعلن..إني أول إرهابي في العالم.. وأفتخر! اذا كان هذا مفهوم الإرهاب بالنسبة لهم!

اما في موضوع الإلتزام هناك اشكالية حول التسمية وأظن أن 99% من ما نقدمه نحن من أعمال يندرج تحت عنوان الأغنية الوطنية في حين أطلق صديقي الفنان أحمد قعبور إسم “الأغنية الجميلة”، إذاً هو نوع جديد وذلك بعد ما شاعت عبر التاريخ قصائد تنتقد فيها ظلم الطاغي وتنوعت عبر الثقافات. فالاغنية الوطنية غناها السيد درويش وام كلثوم، فيروز ومارسيل وجوليا واحمد قعبور وكان لي تجربة متواضعة ايضاً. وهناك الأغنية السياسية التي غناها قلة، فهؤلاء هم الذين غنوا لأحزابهم بشكل بيان سياسي مغنى. أما فيروز غنت اسوارة العروس ووديع الصافي غنى لبنان وكذلك نصري شمس الدين جميعهم غنوا أغاني تندرج تحت تسمية الأغنية الوطنية.
كما أطلقوا علي صاحب الأغنية الملتزمة وهذا الأمر صحيح لأنني ملتزم بقضايا الناس وأحلامهم وانا أصّر على الالتزام بقضاياهم ولكن انا لا أضع تصنيف أكاديمي لهذا النوع من الغناء تحت صفة ملتزم بل أفضّل الأغنية الوطنية وهو التصنيف الأقرب لذاتي.

20150929_113325
– هل الأغنية الوطنية أو الجميلة أو الملتزمة أياًّ كانت تسميتها هي موسمية ومرفقة فقط بالأزمات والأحداث على الصعيد الوطني أو العالم العربي؟

إن موسمية الأغنية الوطنية هو أخطر ما في هذا الأمر وهو جزء من هذا الوعي. فأنا ضد. أنا لا يمكن أن أنتظر مجزرة يرتكبها العدو الصهيوني كي أغني الحالة. انا كفنان علي أن أحمل رسالة في اغنياتي للجمهور وأثبّتها في عقولهم وهذه الرسائل ليست شرط أن تكون مرتبطة بحدث آني فنحن نعيش المأساة منذ أعوام..إذاً أنا ارفض تماماً الموسمية.هذا النوع من الغناء ليس فقط للإبداع، والعنصر الأساسي فيه هو الصدق الى جانب النص والموسيقى والغناء. عندما لا يملك الفنان صدق التعبير تصبح المسألة مسألة إيقاعية فقط وهنا تكمن الرسالة.. أنا لست “مغنواتي” ولكن عندما اعتلي المسرح أعبّر عن رؤية سياسية وخطاب سياسي مستفيداً من موهبتي الفنية، واشترط أن يكون الحفل مبني على موضوع معين، حول قضية معينة من ضمن القضايا الذي يعيشها العالم. فأنا لا أرى الأسير الكوبي بعيد عن الأسير الفلسطيني وعن رفاقي الأسرى المحررين من معتقلات الخيام، ولا فرق بين الناس في العمل المقاوم.

– ماذا تقول لفلسطين المنتفضة اليوم، لسوريا الجريحة بظل أزمتها التي طالت وإلى الأمة العربية ككل ؟

خلال استضافتي في إحدى القنوات الفضائية في حديث خاص والتي تزامن مع بدء ما سُمِّيَ آنذاك بالربيع العربي، طُلب مني أن أطل وأعلن عن بداية الثورة العربية التي كانت قد بدأت من تونس آنذاك. ولكنني رفضت وفضّلت الإنتظار مبرراً أنه قبل الإعلان عن أي ثورة يجب أن نعلم ماهيّتها وتوجّهها مهما تعدّدت التسميات فمنهم من أسماها الثورة الخلاّقة أو الشرق الأوسط الجديد..ولأنني لا أتقن التنجيم فضلت الإنتظار، ومع الوقت اتّضح ان هناك انقلاب تام على المنظومة الفكرية الإيديولوجية ولا يمكن تسميتها ثورة فهي لا تشبه ثورة الجزائر ولا ايران ولا الإتحاد السوفياتي. أنا لم أؤمن منذ اللحظة الأولى بهذا الحراك كله وكان من المُخجل تسمية ما جرى ويجري ثورة، وها هي سرعان ما ظهرت النتائج وتبين أنه ليس فقط الخريف العربي بل إنه الخرف العربي، بحيث اسُتغِلّ الشباب العربي بالمكان والزمان والنتائج الخاطئة. لقد استُهدفت تونس ومصر والعراق وسوريا واليمن لأنه كان المطلوب رأس فلسطين. وبات جلياً أن كل ما يجري على الساحة العربية هو مرتبط ارتباطاً عضوياً بما يجري في فلسطين. فبالنسبة لما يجري اليوم في فلسطين أرفض تسمية الانتفاضة بالإنتفاضة الثالثة أو الثانية. فلسطين تنتفض منذ اللحظة الأولى لإحتلالها. وما يجري من حين لآخر هو تحرك حسب المناخ السياسي والأمني اما بالنسبة للشعب فهو يعيش الإنتفاضة 24/24. والدليل على ذلك أنه كلما يُتاح فرصة للفلسطيني المقاوم للتعبير عن مقاومته بكل الأشكال يعبر عنها إما بالحجارة او بالصاروخ او بالسكاكين… فإن تصنيف الشعب الفلسطيني بإنه نائم هو أمر ظالم ولا يصب في مصلحة هذا الشعب المظلوم. بالطبع نحن لا نتوقّع أن تدحر هذه الإنتفاضات بالصهيانة نحو البحر، فلنكن واقعيين ولكن أيضاً لا يمكن أن نتغاضى عن هذه التحركات ومحاولات المقاومة بكل ما أتيح لها من حِيَل للتعبير عن رفض الشباب الفلسطيني للإحتلال.

بالنسبة لي، أنا أتبنى قضيتين في حياتي والباقي كله تفاصيل، القضية الاولى هي فلسطين والقضية الثانية التي تساعد في تحرير فلسطين وهي المقاومة مهما اختلفت التسميات ولون العلم، وأقول للجميع إن كنتم من كارهي فلسطين او محبّيها، هناك مصلحة للجميع بعودة فلسطين حرة مستقلة لأن ما يجري في العالم العربي من فساد وأنظمة عربية متواطئة كله مرتبط بفلسطين، ومتى تحرّرت هذه الأرض نتخلّص من كل القيود والحروب التي نعيشها داخل هذه الأمة.
الإنتفاضة قد لا تكون الإنتصار في الحرب انما هي جولة من جولات الصراع ولا بد من تحرك الرأي العام الذي غالباً ما يتحول من متذمّر الى داعم لهذه الإنتفاضات التي تحرك في داخلهم تأييدهم للقضية والسعي لنصرتها ودعمها.

DSCF2689
أين تجد نفسك أكثر في مهنة الطب أو في مجال الفن والإعلام أو في التحليل السياسي؟
كله مكمّل لبعضه..

– هل تستطيع التوفيق بين كل هذه المسؤوليات؟

الأولوية هي للعيادة ومهنة طب الأسنان (بدنا نصرف على الثورة).. أنا مستقل بالسياسة وفي لبنان ندفع ثمن استقلاليتنا. انا مستقل عن البطاقة الحزبية ولكني لست مستقلاً عن أحلام الناس وآمالها، أنا اخترت مهنة طب الأسنان لأنها المهنة الأقرب لهوايتي كالرسم والنحت والموسيقى، أمارس العمل السياسي اينما وُجدت لأنه لا يمكن الانفصال عن مجتمع مغلّف بالشؤون السياسية. أعبر عن رأيي بالعيادة وعلى التلفزيون وعلى المسرح وفي الموسيقى. فأنا اعبر عن ذاتي من خلال الضربة الاستباقية في ردّ الخناجر عن أعناقنا وكنت أقول هذا الكلام منذ 15 عاماً الى أن وصلنا الى هذا المشهد بالفعل.

– ماذا الذي يؤلم أكثر الوطن أم الضرس ؟

ألم الضرس يمكن علاجه بجلسة واحدة أما ألم الوطن يحتاج لجلسات وجلسات عديدة. فهو بحاجة لتشخيص جيد. فالإبداع يكمن في تشخيص الأزمات. فالطبيب الناجح هو الذي يقوم بتشخيص جيد. وفي هذا الوطن نحن بحاجة لتشخيص جيد وطبيب ناجح وصبور وعلاج مناسب على شرط أن يكون المريض متعاون. فالوطن بحاجة لعلاج طويل الأمد ولا سيما أنه مريض يعاني من اشتراكات عدة. ومع ذلك، هذا لا يلغي أن هناك نبض حي وأمل في إنعاشه واستعادة عافيته، فهو وطن مكسور حقاً ولكنه لم يُهزم يوماً.

– هل ولدك نعمة وإبنتك مايا يمضيان قدماً على خطاك على مستوى المهنة ، القضية والمعتقد ؟

لم أشجع أولادي على امتهان الطب مثلي انا وزوجتي التي تعمل في مجال الطب أيضاً، معظم الأهالي يخافون على أبنائهم ويحاولون إبعادهم عن مصاعب مهنتهم فيعملون على توجيه اولادهم نحو خيارات أخرى. وسرعان ما يكتشفون أن كل مهنة لها مشاكلها الخاصة وخاصة المهن التي يجهلونها. نحن ضمن التربية المنزلية، مارسنا الديمقراطية، فتركنا الخيارات مفتوحة أمامهم في السياسية كما في العقيدة والمعتقد، وتربوا في محيط ذات تعدد بيئي، ومارسنا دورنا كأهل فقط بالمراقبة والمتابعة. هم لا يزالون على طريق الإنجاز الآن، وانا لا أحسدهم على صعوبة هذا الزمن، فقد كنت أظن زمن والدي صعب ومن ثم عشت صعوبة زمني واظن أن ما سيواجهه أبنائي كغيرهم من أبناء جيلهم سيكون أصعب، ولكن لا حيلة لهم سوى مواجهة صراعات الحياة والفوز بأنفسهم.

– حدثنا عن جديد أعمالك على المستوى الفني والإعلامي.

لقد قدّمت برنامج على صوت الشعب بعنوان “حكي اوتار” مع المخرج حسام الصّباح وحسين حمادة بحيث شكلنا حالة ثلاثية في الفن بالإضافة الى الفنانة زينة ابراهيم ومن ثم قدّمت برنامج سياسي على أحد الفضائيات “نقطة وحوار” واطلقت برنامج ثقافي بعنوان “ابداع”. اليوم أقوم بإعداد وتقديم برنامج ثقافي وسياسي. هذا البرنامج يتقبّل كل الآراء بشرط أساسي هو احترام المشاهد وعدم التحريض لأنني أظن أن التحريض يساهم في سفك الدماء سواء كنت مع الفكرة أو ضدها ، لذلك أنا ضد سياسة التحريض ولكنني معها في حالة واحدة وهي الحالة التي تنسجم مع ذاتي وهي التحريض على العدو الإسرائيلي والفساد والعنصرية والظلم بكل أشكاله.
على مستوى الفن، لا زلت أقوم بجولاتي الفنية وبابي مفتوح لكل من يطلب هذا النوع من الثقافة وانا بصدد التحضير لعمل جديدCD بعنوان “عفواً أبي”، اضافة لأعمالي السابقة البوم “حان الوقت”، “احلام الناس”، “كوبا عليك منا السلام”، و”تقاسيم على الزمان” و”اوبريت قانا” .. وسواها

– ماذا تقول لمجلة الديمقراطية التي هي وجه من وجوه الإعلام الملتزم ؟

أتمنى للديمقراطية أن تبقى إسم على مسمى، لأن من اهم شروط الديمقراطية، إعطاء المساحة لجميع الآراء كما تفعلون عبر مجلتكم الكريمة. اتمنى للديمقراطية الإستمرارية في وجه الصعوبات التي تواجه الإعلام الملتزم الجميل على أمل أن يبقى مثل هذا الصوت يصدح عالياً، وارى أنه لا يزال هناك إمكانية وبارقة أمل رغم ظلام النفق ولا سيما أن الضوء بات يتجلّى ويصبح أكثر وضوحاً منذ عام 2006 لشدة التفاؤل الذي ينتابني لأننا نسير على الدرب الصحيح لا محالة.