الديار: ليليان حمزة
سيناريو “النورماندي” و”صيدا” يتكرّر من جديد.. وكأن التّجارب السّابقة الفاشلة لم تنذرهم بوعورة الطّريق التي يسلكونها، فقد أثبتوا أنهم أحمق من ناطحي الصّخور. الحكومة اللبنانية “المكرسحة” وعلى وجه الخصوص اللّجنة المعنيّة بملف النّفايات لا تنفك تطرح مشروع المطامر وتغضّ النّظر عن الحلول المتبقيّة.. وكان آخرهم طرح الطمر في العقار المحاذي لمسبح “كوستا برافا” في الأوزاعي- الشّويفات، والذي لاقى طرحه جدليّة واسعة.
وكان أبرز المعارضين على توسعة المكب هو النّائب طلال أرسلان كون الموقع يقع في خراج بلدته الشّويفات إذ قال في خلال مؤتمره الصحافي إن “الرّئيس تمام سلام أبلغني ألاّ مطمر في الشّويفات من دون موافقتي، ولا جلسة لمجلس الوزراء حتى الآن”، مضيفًا “ليست لدي مصالح شخصية في أي مطامر أو محارق أو مكبات، فعلى الدولة أن تقوم بوظيفتها تجاه المجتمع الأهلي بكل شفافية، وهناك هوّة كبيرة بين الدولة والمواطن”.
وطالب أرسلان سلام ألا يتّكل عليه ليبيض صفحة الدولة على حد قوله، مشيرًا إلى أنه “عندما ألتزم بأي موضوع أكون حريصاً على مصلحة الناس” معلنًا عقد اجتماع الثلاثاء لبت مسألة المطمر سلبًا أو إيجابًا بما يتناسب ومصالح أهالي المنطقة، وتمنّى الوصول إلى خاتمة سعيدة.
وفي سياق متّصل، طلب رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي عبر حديث تلفزيوني مناقشة المدّة الزمنية للمطمر في حال تمّت الموافقة عليه؛ أما عن مداخيل البلدية، أكد أنه لم يحصل على عائدات البلديات من الحكومة، ولكن تخصم عائدات سوكلين من الصندوق البلدي المستقل، وإذا توفّر التّمويل من عائدات البلدية، يمكن العمل على الحل، ولكن ذلك لن يحصل في شهر أو اثنين.
وأشار مسؤول الإعلام في الحزب الديمقراطي اللّبناني جاد حيدر في حديث للديار إلى أن “الأمير طلال أرسلان أعلن موقفه الرافض وجمع فعاليات الشّويفات من هيئات روحية ومخاتير ومجلس بلدي ومجتمع أهلي وقال لهم “ما تقرّرونه أتّبعه سلبًا أم إيجابًا”، لافتًا إلى أن الموضوع بات في عهدة بلدية الشّويفات، والأمر مرتبط بأهل المدينة سواءً يقبلون أو يرفضون، مشيرًا إلى أن المواطنين منقسمون إلى قسمين: منهم من يرفض رفضًا قاطعًا وجود المطمر، ومنهم من يعتبر أنه من الأفضل التريّث ريثما يطّلعون على الشّروط. وأضاف أن أرسلان أرجأ الرد للثلاثاء بعد أن يرى الطّروحات على طاولة الحوار، وسيدرس رأي المواطنين سواء كانت الأكثرية موافقة أو رافضة.
من هنا، هل سيتم تغيير الموقف في حال ظهور “طعم” المدّة الزمنيّة القصيرة لعمر الطّمر؟
وهل سيقع أرسلان في فخ “عدم التجاوب أو التّعاون المناطقي” الّذي يستعمله بعض السياسيون كورقة ضاغطة؟
ولماذا تدور الحكومة وتدور حول “المطامر” عوضًا عن اللّجوء إلى المعامل كحل جذري لمعالجة النّفايات؟!
بالطّبع لا، لأنه عبر المعامل تنحصر الأرباح بالبلديات أو إتحاد البلديات والشّركات المتعهّدة، أما من خلال المطامر يمكنها أن تربح ملايين الدولارات سنويًا؛ فعلى حد المثال، كان المستفيدون من مطمر النّاعمة -عين درافيل يربحون يوميًا ما يقارب 400 ألف دولار موزّعة بينهم، إذ أن سعر الطّمر 160 دولار يقابله حوالى 2500 طن يوميًا، وبالتّالي ستكون الأرباح على حالها في المطامر المقترحة. ولهذا السّبب يقاتل السياسيون بكل مخالبهم لتمرير مشروع المطامر وكبت صوت الشّعب الرّافض لها.
مثال على الحل لمعالجة النّفايات هو معمل عين بعال الذي أنشئ لمعالجة النّفايات في العام 2000 وبدأ العمل فيه منذ ست سنوات، ويتشارك فيه إتحاد بلديات قضاء صور (أحد أقضية محافظة الجنوب الثلاثة) وبلديّة عين بعال وشركة بنيان المتعهّدة، بتمويل من الإتّحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة التّنمية الإدارية.
تحدّث المهندس علي أمهز، مسؤول القسم الفني في المعمل للديار، قائلاً إن المعمل يستقبل أطنان من النّفايات من مدينة صور والبرج الشّمالي والقرى المحيطة أي حوالى 32 مدينة، ويبلغ معدّل النّفايات الواردة إلى المعمل يوميًا، بعد إقفال مطمر رأس العين بحوالى 150 طنًا، وتبلغ مساحة العقار الذي بني عليه المعمل 30 ألف مترًا؛ ويقوم المعمل بعمليات الفرز ويحتوي على معدّات متطوّرة كفتّاحة الأكياس ومعدّات للمواد العضوية والمواد القابلة للتّدوير وآلات تخمير ومعدّات التّسبيخ (composting) بدرجة حرارة معيّنة، وتنتج سمادًا عضويًا خالٍ من الروائح، وقد تم فحصه في مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت وأظهر بأنه سماد ممتاز؛ وتقدّر تكلفة إنشائه بكلفة لا تتعدّى ثلاثة ملايين دولار.
وأضاف أمهز إلى أن للمعمل فوائد عدّة كونهم بدايةً لا يرون نفايات مكدّسة على الطرقات ويستلمون طن النفايات الواحد بمبلغ 25$، مشيرًا إلى أن الجهات السياسية الموجودة في المنطقة تتعاون مع الأهالي وتدعم المعمل في العمل وتسعى دومًا إلى تقديم المساعدة في حال حصول أي نقص.
وإعتبر أحد المسؤولين عن المعمل، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن أزمة النفايات في بيروت خدمت أهالي المنطقة والقيمين على المعمل ليطالبوا بتحديثه، مشيرًا إلى انهم تقدّموا بمشروع للبنك الدّولي لتطوير العمل فيه على غرار تجربة إيطاليا والصّين من خلال تخميرbio-gas الناتج عن غاز الميثان المشتعل الذي يولّد طاقة كهربائيّة والّذي وفق دراستهم يكلّف مليون دولار، والذي سيمكنهم من استقبال 250 طن من النفايات على مدار 24 ساعة يوميًا.
وهنا تنبعث علامات الاستفهام؟ ما السّبب في إنشاء مطمر في الكفور جنوبًا طالما انه يتوفّر خمس معامل في عين بعال، وخربة سلم، والنّبطية، ومرجعيون؟!
وما السّبب في اتّباع مطمر في البقاع طالما انه يتوفّر معمل لمعالجة النفايات في بعلبك والّذي أطلقته البلدية الشّهر الماضي لفرز النّفايات ومعالجتها وتسبيخها، بعد أن وقّعت عقدًا مع شركة الجهاد للهندسة والمقاولات لتشغيله لمدة ثلاث سنوات على أن يتم تمويل التشغيل والصيانة من الموازنة العامة للدولة عبر وزارة الشؤون للتنمية الإدارية بتكلفة 25 دولارًا للطن الواحد، وتبلغ القدرة الاستيعابية للمعمل 250 طنًّا من النفايات في اليوم، وتشمل كافة المناطق والبلدات الواقعة ضمن نطاق المحافظة؟!
وما السّبب في إنشاء مطمر سرار في عكار طالما انه يتوفّر معمل مماثل في الكورة؟!
وما السّبب لإقامة مطمر “كوستا برافا” طالما انه في بعض مناطق الجبل يتم إقامة معامل على نطاق البلدات؟!
الشّارع يشتعل وبات الشّعب اللبناني يعاني من رهاب المطامر، لذا “عندما يبدأ الماء بالغليان، من الحماقة إطفاء الحرارة”، على حد قول نيلسون مانديلا. فقد بات من الصّعب ضبط الشّارع والكلمة الحاسمة الثلاثاء للنائب طلال أرسلان وفعاليات الشّويفات سواءً بالرّفض أم القبول بمطمر الكوستا برافا.